اقرا ايضا
الجمعية المغربية للبحث التاريخي
الأيام الوطنية الثالثة والعشرون
الرباط – أكتوبر 2016
الورقة التقديمية
تدبير المغاربة للاختلاف
استلهام لأساليب التعايش وقبول الآخر
ساهمت مجموعة من المعطيات الطبيعية والبشرية والتاريخية، في تميز العديد من المناطق والمجموعات البشرية المغربية، ونشوء اختلافات بينها وبين بعضها البعض. إلا أن هذا الاختلاف والتنوع لم يقف حائلا أمام التعايش والتعاون فيما بينها، وتقبلها لبعضها، والاستفادة من خبراتها وثقافاتها، التي أثْرت تاريخ المغرب وحضارته عبر العصور.
يعود هذا التنوع إلى عوامل طبيعية، تتعلق بالتضاريس والمناخ والموقع، وانعكاسها على نشاط السكان وتوزعهم، وبالتالي على عاداتهم وتقاليدهم وأنماط عيشهم. وساهمت المجموعات البشرية التي استوطنت البلاد عبر العصور التاريخية في تعزيز هذا التنوع، ونشوء حضارة مغربية متميزة، احتضنت تراث هذه المجموعات، وحافظت عليه، وطورته.
إن الاختلاف ليس ظاهرة مقتصرة على المغرب، ولا على واقعنا الراهن، بل هي ظاهرة قديمة، عرفها المغرب منذ القديم، وتعيشها دول كبرى مثل الهند، وقبل أن تكون مصدر خلاف وتوتر، كان لها غالبا دور في غنى المغرب وقوته. وعلى الرغم من الاختلافات الموجودة في الأصول واللغات والعادات، والتي أغنت تراثنا المادي واللامادي: العمران والسكن والغناء والرقص والأمثال والحكايات والأعراف، فقد تعايش المغاربة لمئات السنين، ودبروا اختلافهم بأساليب مختلفة، على الصعيد المحلي والمركزي، داخل سلطة المخزن، وخارجها.
حافظت المدن على خصائصها الموروثة والمحلية ولهجاتها، إلا أنها انفتحت على القادمين إليها من البوادي القريبة والبعيدة، وخاصة المدن الكبرى أو الموجودة على مواقع استراتيجية ومنفتحة على الخارج، والعواصم، حيث تداولت على استيطانها مجموعات متعددة الأصول والمشارب، ولكن الاختلافات الموجودة بينها لم تكن دائما مثارا للنزاعات والخلافات. بحيث ظهرت فيها ومنذ وقت مبكر، بوادر الانسجام وتقبل الاختلاف، والاستفادة من خبرات الآخرين، واستيعابهم، كما هو الشأن بالنسبة لفاس ومراكش، وحاليا بالنسبة للمدن الكبرى وخاصة الدار البيضاء.
وفي البوادي، تجاورت القبائل والتجمعات البشرية، وتعرضت للتنقلات لأسباب سياسية واقتصادية، واستوطنت مناطق جديدة، فرضت عليها التعايش مع مجموعات أخرى، مع ما يكتنف ذلك من تنافس وصراعات، دفعت بها إلى تنظيم علاقاتها، وربطها بأعراف وقوانين محلية، لتدبير استغلال المجال، وتوفير الأمن، وحل الخلافات. بالاحتكام إلى القضاء والأعراف والوساطات والتحالفات والحوار والاتفاقات.
وتسعى هذه الورقة إلى التركيز على جهود المغاربة من أجل التعايش مع هذا الاختلاف والتنوع، حتى لا يتحول إلى خلاف وتنازع دائم، مع ما يقتضيه ذلك من تفتح على الآخرين، وتعاون معهم، علما بأن الوضعية لم تكن تتسم دائما بالانسجام والتناغم، إلا أن المغاربة عرفوا كيف يحتوون خلافاتهم، ويضبطونها، من خلال اجتهادات، نجد صداها في المأثور من السير، ودور الصلحاء والعلماء، والقوانين العرفية المكتوبة، والنوازل، والظهائر، و خصوصا عندما تتعرض البلاد لأزمات قوية، ولأخطار خارجية.
إن المقاربة التاريخية لا تكفي، ولا بد من تعزيزها بمقاربات أخرى، قانونية واجتماعية ولسانية، لاكتمال الصورة، حتى يتم توضيح الصورة لبعض الباحثين والمشتغلين بالسياسة والإعلام، والمنتمين لجمعيات المجتمع المدني، أن هذه الاختلافات التي ربما اكتشفوها لأول مرة، ليست بالجديدة، ولم تشكل دائما عائقا أمام انسجام المجتمع، وتقدمه، ومواجهته لكل الأخطار التي واجهته، ولم تكن– إلا في حالات قليلة- وسيلة للإقصاء والتمييز والتنقيص .
ومن أجل ذلك نقترح عليكم بعض المحاور المساعدة، مع ترك المجال لما يجد من اقتراحات، لا تركز على الوصف والاستعراض، والأحداث، بقدر ما تركز على أساليب المغاربة في تدبير اختلافاتهم وخلافاتهم.
المحاور المقترحة:
- المحور الأول: تجارب المجتمعات في تدبير الاختلاف والتنوع: مقاربات اجتماعية وسياسية وقانونية لهذه الظاهرة. – مقارنات مع دول أخرى
- المحور الثاني: النسيج الاجتماعي المغربي: أصول ومصادر التنوع والاختلاف. – استقبال المغرب لمجموعات بشرية متعددة عبر تاريخه الطويل التوطين، العلاقات الأولى، التأثيرات المتبادلة. – القوانين والأعراف ودورها في تنظيم العلاقات وحسم النزاعات.
- المحور الثالث: النسيج القبلي وأساليب تدبير الاختلاف والتنوع. القبيلة: التنوع داخل القبيلة نفسها، وبينها وبين القبائل الأخرى، وعلاقاتها بالمخزن، وبالمدن
- المحور الرابع: المدن المغربية فضاء لتدبير الاختلاف بين مكونات اثنية واجتماعية مختلفة ومتنوعة – نشأة المدن وتطورها: العلاقات داخلها مع المجموعات المختلفة، السكن والحياة اليومية، التأثيرات المتبادلة، الانصهار، المشاكل.
- المحور الخامس: تجليات الاختلاف وتدبيره في الثقافة والتمثلات الجماعية المغربية، النكت والأغاني والحكايات والأمثال، والمناسبات، وغيرها، بالتركيز على تدبير الاختلاف.
إرسال تعليق
ضع تعليقك هنا