اقرا ايضا
الإزدواجية اللغوية، بين الفصحى والعامية في وسائل الإعلام.
بقلم : بشـرى كـنـوز
تزايدت مشكلة الازدواجية اللغوية و تقهقر اللغة الفصحى لصالح العامية ، مع تزايد ظاهرة الكتابة باللهجة العامية و استخدامها كلغة التخاطب والكتابة والآداب والفنون والمعاملات، بشكل قد يراه بعض المهتمين أصبح يشكل خطرا على هوية اللغة العربية ، حيث إن اللغة كما يرون ليست فقط أداة للتخاطب والتواصل بل هي هوية دينية وقومية "الجسر الثقافي" ، والخوف الأكبر في حالتنا اليوم يكمن في تقاعس الناطقين باللّغة الأم عن التصدّي لطاعون الانحلال اللّغوي وبالتالي الإستسلام للركود الحضاري والمعرفي. بإمكاننا تسويغ الأسباب المباشرة وغير المباشرة للضّعف العامّ في اللّغة العربيّة، عبر مختلف الأطر المرتبطة بنشأة هذه اللّغة. إلا أن واقع اللّغة المتقهقر ومستوى الانحدار الذي آلت إليه الأمور،لا يبشّر بخير..فهل باستطاعة وسائل الاعلام اليوم تثبيت دعائم الّلغة العربية وإحداث نقلة نوعية في مسار تطويرها؟ ثم ما هي الكيفية التي من الممكن اتباعها لإيجاد توازن بين الفصحى والعامية؛ حتى نحافظ على لغتنا من الاندثار؟.
ان اثر الازدواجية في وسائل الاعلام هو من موضوعات الساعة فى الواقع الثقافي الراهن، نظراً لما تشهده اللغة العربية فى وسائل الاعلام من تراجع ملحوظ ،يتجلى في ضعف في الأداء اللغوي وشيوع الأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية واللجوء إلي العامية وعدم سلامة النطق ، حيث ان علاقة الإعلام بعلوم اللغة إنما هي علاقة عضوية لا تفصم عراها شأنها في ذلك شأن العلاقة بين الطفل وأمه ، فكما يصعب على الطفل أن ينمو نموا طبيعيا ويكتسب معطيات الحياة من حوله بصورة تلقائية بدون أمه ، فكذلك فإن الإعلام لا يمكن أن يجد التربة الخصبة التي ينمو فيها والمجال الذي يمارس فيه نشاطه بدون لغة تصوغ رسائله وتنقل الأفكار التي تتضمنها وكذلك فإن اللغة الإنسانية ستؤول إلي الذبول دون الاتصال بين أفراد المجتمع البشري من خلال إحدى وسائل الإعلام التي تعطي هذه اللغة قيمة وتعطي لرموزها معنى ، فاللغة تشكل إحدى الركائز الأساسية للإذاعة والتلفزيون كما للصحافة والسينما والمسرح ،،وهذه الوسائل تؤدي وظائفها بمساعدة اللغة التي هي وسيلة للاختلاط وأساس للتعبير عن الأخبار ،" وتؤكد الحقائق أنه من الصعوبة بمكان أن تضطلع أي من أجهزة الأعلام – سواء كانت سمعية أم بصرية أم مقروءة أم شفهية – بالدور المنوط بها دون استخدام رموز اللغة " ،وازدواجية اللغة في وسائل الإعلام ،أسهمت فيها عدة عوامل وفرضت على المهتمين بالإعلام العربي و بالفصحى، البحث المخلص والبناء عن حلول عملية تناسب العصر ولا تجافى جماليتها ومواطن إبداعها، بوصفها الوعاء الذي يحتوي الفكر الانساني، لكن وجهات النظر فيها اختلفت باختلاف دورها الوظيفي في الميدان المعني، فهي-أعني اللغة- تارة أداة تعبير غايتها الكبرى منوطة بالتأثير الذي تحدثه في المتلقي ، وتارة أداة توصيل غايتها الكبرى نقل الأفكار ، وهذا صميم غاية وسائل الإعلام المختلفة سواء المكتوبة أو المسموعة أو المرئية.
ففى الوقت الذي كان يتوقع ان يكون الاعلام العربي (مسموع أو مقروء أو مرئي) سبيلًا للتواصل الثقافي والحضاري بين المواطنين العرب فى شتى أنحاء العالم، وشرط هوية، ودعامة مستقبل، ووصل لهذه الأمة بتراثها العريق، وركيزة لانطلاقتها الراهنة والقادمة، لتأخذ مكانها ومكانتها بين كل اللغات والشعوب. فإن الواقع يكذب ذلك، بل ربما يدفعنا إى القول: إن الاعلام العربي – بكافة صورة وأشكالة – قد يسهم فى مزيد من التشويه للثقافة العربية ، ومن المصاعب التي تواجه الجهود الرسمية المخلصة والمكثفة من أجل وضع اللغة العربية في المكانة اللائقة بها، ومزيد من التباعد بين الجماهير العربية وربما يتضح ذلك من خلال اللغة المحكية أو مفردات عامية للتعبير عن الأفكار والمواقف، في مقالات رأي رصينة أو تعليقات عبر الإذاعة أو القنوات الفضائية العربية فى تقديم برامجها، في حين يندر او يقل استخدام اللغة العربية الفصحى، والتي كان من الممكن أن تكون القنوات الفضائية أفضل الاوعية التى تعيد الحياة لها على ألسنة المشاهدين العرب، فمع انتشار الفضائيات العربية أصبحت اللهجات العربية أكثر شيوعاً فى إطار الرغبة فى تأكيد وجود الثقافات الفرعية داخل الثقافة العربية، الامر الذي يقوض احد أسس الوجود العربي ذاته، ويدعم تناحر الثقافات العربية الفرعية.ومع أن الأمر لم يرق بعد إلى حد اعتباره ظاهرة، إلا أن تكرار ظهور تلك المفردات، يثير المخاوف على مستقبل اللغة العربية، في مواجهة ما قد يعتبره البعض «ظلم ذوي القربى»، وذلك لأن الإعلام من أكثر الوسائل تأثيراً على المجتمعات.
إن بناء الامة العربية الواحدة وتعزيز التماسك بين أبنائها لن يتم الا عن طريق اللغة العربية وبواسطتها فهى مكون ارتكازي من مكونات الثقافة العربية,وعنوان هوية المجتمع العربي الإسلامي ؛ والحبل السري المتين الذي يربط بين أقطارها وأجيالها، وتعتبر ضرورة لبناء مهارات التواصل الإنساني، وهى محورية وأساسية في منظومة الثقافة لارتباطها بجملة مكونات من فكر وإبداع وتربية وتراث وقيم المجتمع العربي الإسلامي.وهى وحدها القادرة على أن تحيل التناقض القائم بين الامة الواحدة إى تكامل والتنافر إى تناغم ولن يتم ذلك إلا عن طريق التعليم من ناحية وباستخدام آليات الاعلام الحديثة ووسائطها المختلفة من ناحية ثانية فاللغة تعيش أزمة حقيقية سواء فى الوسائط الاعلامية أو فى مؤسسات الدول العربية. انها مشكلة حقيقية تواجه اللغة العربية في عصر العولمة والانفتاح الثقافي وسيطرت اللغات الأجنبية علي وسائل الإعلام.
علاقة اللغة العربية بوسائل الإعلام:
اذا كان معظم الباحثين التقليديين يرون ان اللغة وسيلة إنسانية لتوصيل الأفكار، والانفعالات والرغبات عن طريق نظام من الرموز التي تصدر بطريقة إرادية فإن وسائل الاعلام تؤدي وظائفها بمساعدة اللغة ،التي هي وسيلة للاختلاط وأساس للتعبير وتواصل تهدف الى تزويد الناس بالأخبار الصحيحة، والمعلومات السليمة، و الحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوين رأي صائب في واقعة من الوقائع، أو مشكلة من المشكلات، بحيث يعبر هذا الرأي تعبيراً موضوعياً عن عقلية الجماهير، واتجاهاتهم، وميولهم.فالإشكالية التي تدور حول علاقة اللغة العربية بوسائل الإعلام هي إشكالية يكتنفها الكثير من الجدل، ليس من حيث عدم وجود ترابط، ولكن من حيث التأثر والتأثير لكل منهما بالطرف الآخر،و اشتراطات هذه العلاقة من حيث سلامة اللغة الإعلامية، التي لا تخرج عن إطار اللغة النثرية في التعبير عن الفكرة وصياغتها في رموز لتكوين الرسالة الإعلامية، وهذا بخلاف ما ذهب إليه بعض الباحثين الإعلاميين الذين عدّوا (لغة الإعلام) أحد مستويات اللغة في مقابل: الشعر، و الفنون عامة (المستوى الفني)، و العلوم (المستوى العلمي).وكما يقول فاضل البدراني ان اللغة هي الوعاء الذي يحتضن المفهوم الإعلامي برمته، وإذا كان الحرف هو الأداة التي تتمكن من خلالها وسائل الإعلام مخاطبة جمهورها، فإن وسائل الإعلام تعد هي الأخرى الأداة التي من خلالها تتمكن أية لغة عالمية من نشر أساسيات العلوم المعرفية للناس أو المتلقين من جمهور حقول المعرفة المستهدفين في الرسالة الاتصالية.
وبذلك فإن الإعلام العربي حين يلتزم العربية السليمة ،هي أحسن مصدر لتعليم اللغة ومحاكاتها والتقريب بين اللغة السليمة واللغة المحكية " ، حيث تمارس لغة الإعلام تأثيراً واضحاً علي لغة الجمهور المتعرض لها ولا يتوقف حد التأثير هنا عند مجرد تسرب مفردات القاموس اللغوي الإعلامي إلي القاموس اللغوي الجماهيري، بل يتجاوزه إلي التدخل في بناء تصورات الجمهور عن الأحداث بناء علي نوع وخصائص اللغة التي استخدمتها في التعبير عنها.وهي آثار بلغت أوجها في تحريك الجماهير، ولمّ صفوفهم، وتوحيد كلمتهم، أمام أنظمة حكم رأوها ظالمة مهدرة حقوقهم، ونجد من ناحية لغوية أن ما وهبته هذه الوسائل من إمكان النشر غير المراقب، ولا المدقق، ولا المشروط، ولا الصادر من نخب محددة؛ جعل اللغة تظهر بمستوياتها المختلفة الفصيحة، والعامية، واللغة التي تجمع بين العربية وغيرها وعرفت بين أوساط الشباب بالعربيزي، ونال ما يظهر بلغة فصيحة ألواناً من الأخطاء صارت تتداولها الناس وباتت من الأخطاء الشائعة التي لا يدرك مخالفتها للقواعد المقررة سوى المتخصصين، وتؤدي سرعة النشر إلى ضعف المراجعة والتصحيح فتنتشر الأخطاء. كما أتاح الإعلام الجديد الحر لطاقات إبداعية أن تنطلق وتعمل في مستوى عال من الإعداد والتقديم، وأظهر قدرة الشباب على متابعة أحوال المجتمع ونقد الأداء في المؤسسات المعنية، وظهرت فرق متآزرة تجمع بين ثقافتين ثقافة عربية وأخرى أجنبية.
ويعتبر خوري صقر في كتابه الفكر واللغة،ان اللغة العربية من أصلـح اللغـات ، وذلك لأنهــا تتمتـع ( بالدينامية ) أو الحركية التي تجعلها أصلح اللغات لطبيعة الإعلام وتمنحها طواعية في لإيراد حادث وقع حالا يبعث علي الاهتمام ،،وفي الوقت نفسه يمكن لعلم اللغة أن يفيد من اللغة الإعلامية ، ذلك لأن علاقة اللغة الإعلامية بعلم اللغة هي علاقة تأثير وتأثر... فعلاقة التأثير بين اللغة الإعلامية وعلم اللغة هي علاقة التنمية اللغوية ، فوسائل الاتصال الإعلامية تساهم في نشأة كلمات لم تكن موجودة في اللغة من قبل، وفي هجر كلمات كانت مستخدمة فيها أو انقراضها انقراضا تاماً. ذلك أن وسائل الاتصال الإعلامية تعكس أهم العوامل التي تدعو إلى نشأة كلمات في اللغة ، كمقتضيات الحاجة إلى تسمية مستحدث اجتماعي جديد ، سواء أكان نظماً اجتماعيا أم اقتصادياً، أم نظرية علمية جديدة أو فلسفية أو مخترعاً مادياً جديداً،(...) الخ) مثال ذلك ، ما ظهر من مفردات كثر تداولها على الصعيد الاقتصادي والسياسي كالخصخصة أو العولمة أو القطب الواحد ..... الخ .
وإذا كان للإعلام هذا الأثرالعميق والبالغ في الحياة اللغوية والثقافية ،وأن اللغة كما هو معروف تكتسب بالسماع والمحاكاة فإن أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية ،أضحت تشكل ظاهرة لغوية جديرة بالتأمل، ولما كانت قوة اللغة تستمدها من قوة أهلها، لأن اللغة تقوى وتزدهر وتنتشر، بقدر ما تتقوّى الأمة التي تنتسب إليها وتترقى في مدارج التقدم الثقافي والأدبي والعلمي والازدهار الاجتماعي والسياسي والحضاري، فإن الوضع الذي تعيشه الأمة العربية الإسلامية في هذه المرحلة من التاريخ، لا يوفر للغة العربية حظوظاً أكبر للبروز وامتلاك شروط القوة، مما يترتب عليه ضعف اللغة وعدم قدرتها على فرض الوجود والتحكم في توجّهات الإعلام.
إن وسائل الإعلام بإمكانها أن تكون عاملًا إيجابيًا، كما بإمكانها أن يكون عاملًا سلبيًا في موضوع نشر اللغة العربية و"محتوى اللغة العربية" ،وتعميم استخدامها كلغة مبسطة يفهمها الجميع بما في ذلك إلى حد بعيد الجمهور الواسع من الشعوب العربية، ومن حسن الحظ فإن هذه اللغة أصبحت شائعة متداولة في كل أنحاء الوطن العربي من المحيط للخليج. وقد كان لهذه اللغة أثرها الفعال في الاندماج الثقافي العربي وتعميم الثقافة وتيسير سبل الفهم العام في البلدان العربية.
فاللغة تضم في ثناياها خصائص لغة الإعلام وهي بيان العلاقات المتغيرة بين الإنسان والإنسان وبين المرء وبيئته الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو المادية أو غير ذلك من العلاقات ، كنتيجة لذلك فإن الفرد يبصر العالم من حوله من خلال اللغة التي يتحدثها، وتفسير نظرية التحديد اللغوي هذا الأمر إذ تقرر أن اللغة تتدخل في تحديد أفكار الفرد الذي لا يستطيع أن يفكر سوي في إطار الفئات التي تسمح له بها لغته.وعلى ذلك فإن اللغة العربية تجيب طواعية علي الأسئلة التي تجول في خاطر رجل الإعلام وهي " ماذا حدث وماذا يجري الآن ؟ هل من جديد؟ ويرجع ذلك إلي وجود الخصائص الإعلامية الأصلية في اللغة العربية والتي تبين تكيفها وفقا للقوالب الإعلامية المختلفة بحيث استخدمت في الصحافة الحديثة وفي الوسائل الإعلامية المستحدثة ،" وقد اكتسبت اللغة الإعلامية هذه المرونة من امتياز الفصحى بالعمق الذي يجعلها تنبض بالحياة ، والذي يجعلها تقوم علي الترجمة الأمينة للمعاني والأفكار ، والاتساع للألفاظ والتعبيرات الجديدة ،التي يحكم بصلاحيتها الاستعمال والذوق والشيوع "وهو ما التفت إليه الباحثون في علم اللغة فصرفوا العديد من جهودهم في فحص وتحليل أنماط التطور التي أحدثتها لغة الإعلام في اللغة الأم.
الإعلام وآثاره على اللغة العربية:
شهد آخر القرن العشرين الميلادي قفزات تكنولوجية هائلة في مجال وسائل الاتصال والمعلومات، تمثلت في تطور البث الفضائي والسماوات المفتوحة والتعددية الإعلامية وسهولة إطلاق الفضائيات عند توفر المال والتقنيات اللازمة ،وهكذا أضحى نمو المعلومات، في منظومة مدركات الاتصال الجديدة، أفقياً، فهو لم يعد -كما في السابق- يأتي فقط من الأعلى إلى الأسفل، بل إنه يتوالد ويتكاثر من الجوانب والأطراف. وهذا كله أحدث انقلاباً هائلاً في الصناعات الاتصالية والإعلامية نفسها، وفي وسائلها وتقاليدها، وفي لغتها بطبيعة الحال. إن ما عُرف -في السابق- بالصرامة والتدقيق والحدة، والمتطلبات المتعلقة بما يسمى بالمهنية أو الحرفية، وكذلك ما يميز المحترفين عن الهواة والدخلاء، كل هذه الأمور خفت حدتها كثيراً. مما ساعد على دخول عدد من المصطلحات والكلمات الأجنبية لا يستهان بها في التداول، كما أنها وهي في بعض الأحيان ساعدت على نشر أخطاء النحوية في العربية الفصحى المستخدمة، والتي هي ركيكة في الأساس والاستهانة في قواعد اللغة.، وشيوع الكتابة بالعامية في المقالات والإعلانات، وفي تقديم البرامج التلفزيونية والإذاعية، وكثرة استخدام المفردات الأعجمية في ثنايا الخطاب الموجه إلى الملتقى العربي، وفي بعض الأحيان تنشر الصحف العربية إعلانات كاملة باللغات الأجنبية، بل إن هناك مجلات عربية وبرامج إذاعية وتلفزيونية تحمل أسماء وعناوين أعجمية مكتوبة بالأحرف العربية.عن طريق الترجمة الحرفية، من غير ضرورة ملحة. ولعل أبرز مظاهر ذلك ترجمة المصطلحات وطريقة التعبير الموجودة في لغات أجنبية حية كالإنجليزية والفرنسية ونشرها في الاستخدام. وهذا هو ما يفسر الخوف الذي يسري داخل الغرف الإخبارية، من أن التركيز على سرعة النقل سيقوض من قيم الصحافة، ومن الطبيعي أن يحدث الإنجاز بهذا المستوى من الاتساع بعض الأضرار التي لحقت بتقاليد المهنة، فهي صارت -بلا شك- أقل صرامة، وانعكس ذلك على شروط المحتوى ومواصفاته.
ان اللغة العربية في عصرنا الحديث تعيش واقعاً مراً أوضح مايكون في وسائل الإعلام بعتبارها تعكس مختلف التفاعلات الثقافية والقيمية في أي مجتمع ، ولأنها كذلك فإنها تؤدي أخطر الأدوار في الارتقاء باللغة العربية أو الحط من شأنها، خاصة في ظل زحف طوفان المعلومات والخطر المفترض للعولمة، والصراع الحاصل حاليا بين اللغات العالمية من أجل البقاء، والتصادم بين اللغات القوية واللغات الضعيفة المهددة بالاندثار، حسب رأي نظرية القوي يأكل الضعيف أو لا بقاء سوى للقوي من اللغات. ولا يخفى على أحد بأن معطيات الدراسات الحديثة تؤكد بأن إحصائيات اللغات الحية حتى مطلع القرن العشرين كانت أكثر من 15 ألف لغة حية ،تقلص عددها بالتدريج إلى500 لغة، وبالوقت الحاضر فإن حوالي 300 لغة منها في قائمة الخطر، وتوقعت أن تستخدم البشرية في الألفية الثالثة فقط 12 لغة، منها 6 لغات سيكون لها انتشار واسع فهذه المؤشرات وحتى وإن كانت اللغة العربية ما تزال ضمن الرقم الأخير لكن علينا الحذر من الزحف على هويتنا ولو بعد حين. خاصة وان التأثير الهائل الذي أخذت وسائل الاعلام تمارسه في حياة الناس أصبح يضعها في مقدمة العوامل المؤسِّسة والمشكّلة للإدراك العام.
ويتبين لنا أن اللغة العربية الفصحى تتمتع بخصائص إعلامية تجعل منها العروة الوثقى التي تجعل الاتصال عملية اجتماعية و تحدد الكيان الاجتماعي للاتصال الإعلامي أو اضطرابه في مواجهة المعايير التي يفرضها المجتمع في المظهر والسلوك ، و نلاحظ أنها تتفق مع غايات الإعلام الحديث من حيث أنه أداة وظيفية وليست فنا جماليا يقصد لذاته .
وعليه فان اللغة الإعلامية كما يقول شرف عبد العزيز في كتابه" اللغة الإعلامية " ، هي رأس مال الإعلامي وكنزه ووقاره، وهندامه، وهي لا تختلف في منهج تطويرها للغة عما يريده اللغويون وحراس اللغة ، ورغم ان الصحفي مطالب بتكيف أخباره ومقالاته وفنونه التحريرية وفقا للقوالب الصحفية المنشورة ، فان عليه إن يحرص على القواعد المصطلح عليها في النحو والصرف والبلاغة وما إليها، وإذا كانت اللغة الإعلامية تحرص على مراعاة القواعد اللغوية المصطلح عليها فإنها تحاول كذلك أن تحرص على خصائص أخرى من بساطة وإيجاز ووضوح ونفاذ مباشر وتأكيد وأصالة وجلاء واختصار .ولاشك أن هناك بعض الدعاوى التي تتهم اللغة العربية بالقصور في النهوض بلغة الإعلام ، ويشيعون أن العامية هي لغة التفاهم والتداول بين أبناء الوطن حتى مع الصفوة من المثقفين أهل الفكر وشيوع العامية في أجهزة الإعلام ومن ثم بين الجماهير لا يتم إلا على حساب الفصحى.
وفي هذا إهدار للغة الأم و الهوية والانسلاخ من الانتماء الذي يوحي به حديثنا باللغة القومية وعدم الاهتمام بأصولها وقواعدها فتتداخل مفرداتها مع مفردات العامية، ويؤدي ذلك آلى وقوع الخطأ والزلل في مفردات اللغة.وتكشف الشواهد العملية أن دعاوي استخدام العامية لاتعبر عن الحقيقة تعبيرا موضوعيا، فاللغة العربية الفصحي هي اللغة الوحيدة التي يلتقي عندها أهل العربية في جميع أقطارهم يتكلمون ويكتبون بها، ويصوغون بها فنونهم وآدابهم ومكاتباتهم المختلفة, وهي التي تنقل تراثهم الثقافي والحضاري عبر الأجيال المختلفة كما أنها لغة التعليم في مختلف المراحل الدراسية،ويتضح أن دعاوى استخدام العامية في وسائل الإعلام لا تعتبر تعبيرا موضوعيا فإن اللغة العربية الفصحى التي تحملها أجهزة الإعلام هي التي يفهمها من يتكلمون العربية علي كافة الأصعدة وفي مختلف المستويات وبين الشعوب العربية .
وفي ضوء ذلك التزام القيادات الفكرية والسياسية والإعلامية بالقواعد اللغوية الصحيحة وحرصت علي اتخاذ الفصحي لغة حديث وكتابة يقدمون بها برامجهم ويلقون بها خطبهم ويكتبون بها مقالاتهم، ويعبرون بها عن مختلف القضايا والأمور. لأسهمت هذه الجهود إسهاما بليغا في تصحيح الكثير من الأخطاء التي يرددها المثقفون والعوام.كان ذلك يدل علي رقي اللغة العربية في جميع مجالاتها ،ولاشك أن اللغة العربية تتوفر فيها خصائص اللغة الإعلامية مما يساعد أن تكون هذه اللغة هي اللغة السائدة في أجهزة الإعلام العربية.
والواقع يؤكد ان اﻟﻠـﻐﺔ ﺗﻨـﻤﻮ وﺗـﺰدﻫﺮ ﺑـﺘﻘـﺪم أﺻﺤـﺎﺑﻬـﺎ ﻓﻲ اﻟﺜـﻘﺎﻓﺔ. وتترقى في مدارج التقدم الأدبي والعلمي والازدهار الاجتماعي والسياسي ،فكلما ارتبط قوم بلغتهم وأحبوها وتعلقوا بها تفانوا في الحفاظ عليها وحمايتها من الخطر والزلل وتحمسوا لرفعة شأنها والدفاع عنها ضد أي هجمات أو محاولات للنيل منها، أي أن الإحساس الوطني والشعور بالانتماء يلعب دورا هاما في هذا الصدد. الا ان الواقع خلاف ذلك فالوضع الذي تعيشه الأمة العربية الإسلامية في هذه المرحلة من التاريخ، لا يوفر للغة العربية حظوظاً أكبر للبروز وامتلاك شروط القوة، ما يترتب عليه ضعف اللغة وعدم قدرتها على فرض الوجود والتحكم في توجّهات الإعلام، والخروج من دائرة سيطرة نفوذه، والفكاك من هيمنة وسائله بحيث تصير اللغة تابعة للإعلام متجاوزةً بذلك الفواصل بين الإصلاح والإفساد.كما ان العلاقة بين اللغة والإعلام لا تسير دائماً في خطوط متوازية؛ فالطرفان لا يتبادلان التأثير نظراً إلى انعدام التكافؤ بينهما لأنّ الإعلام هو الطرف الأقوى، ولذلك يكون تأثيره في اللغة بالغاً الدرجة التي تضعف الخصائص المميزة للغة، وتُلحق بها أضراراً تصل أحياناً إلى تشوّهات تفسد جمالها.
وحتى تكون اللغة العربية رافداً من روافد النهضة العربية المنشودة وجب استغلال الرسالة الإعلامية للفضائيات العربية بما يخدم اللغة العربية ويساهم في الارتقاء بها من خلال ضبط النشاط التلفزيوني وإخضاعه للسياسة التربوية الشاملة. و إنتاج المصطلحات العربية وترويجها إعلاميا والمتابعة المستمرة لأنشطة المجامع اللغوية ،ومراكز التعريب وتوظيف جديدها إعلاميا حتى تجد هذه المفاهيم طريقها للذيوع الجماهيري. و كذا تنمية القدرات اللغوية لدى المذيعين وتنقية الفضائيات من شوائب الخطأ اللغوي، ومما لاشك فيه أن التزام القائمين على الإعلام بقواعد اللغة من شأنه أن يضبط التطور اللغوي ويضعه في مجراه الصحيح فيصبح مثل النهر تدفقاً ونماءً.
دورالاعلام في الحفاظ على اللسان العربي الفصيح،
وفي تنمية لغتنا العربية والارتقاء بها.
- دور وسائل الاعلام في الحفاظ على اللغة العربية
تمتع اللغة بالقدرة الخارقة في التأثير والتشكيل الثقافي، و بناء الشاكلة الثقافية، التي تعتبر الموجه لرؤية الإنسان والمنطلق لحركته وتعامله مع الناس ومواصلته مع تاريخه، أي بناء وجهته في الاتجاهات جميعًا، الماضي والحاضر والمستقبل، كانت الرابط الاقوى الذي يلتف حوله كل الناطقين بهذه اللغة أو تلك ، فهي الوطن الروحي لكل من يتكلمون بها ، إنها ذاتيهم المعبرة عنهم ، كما أنها وعاؤهم الفكري ومستودع تراثهم المستهدف. ذلك أن استهدافها يعطل نمط تفكير الأمة ، ويلغي عقلها ويطمس شخصيتها، ويعبث بثقافتها، ويقطع أوصالها، ويجفف ينابيعها، ويجتث جذورها، ويتركها في مهب الريح، ولاسيما في ضوء نظرة البعض الدونية لهذه اللغة البليغة، مما يهددها بفرنجة مقرفة، ورطانة لاحنة، تؤثر على سلامة اللغة بمرور الزمن، وهو امر يعمق من دون شك، الاحساس بالتشاؤم تجاه محاولات اصلاح الحال والنهوض به . وعلى الأخص عندما تكون اللغة لغة العقيدة والقيم، والثقافة والحضارة، والعلم والتعليم، والعبادة، كاللغة العربية. ومثل ذلك يمكن أن يقال عن الإعلام وطبيعة اللغة التي يتوسل بها في إبلاغ خطابه إلى الجماهير التي غدت متسعة مع تعدد الأقمار الاصطناعية وكثرة القنوات الفضائية، وتسابق القنوات العربية والإسلامية إلى الاندماج في هذه المنظومة، ولا سيما بالنسبة لبرامجها الموجهة إلى الأمة بأسرها، إذا كانت لها بالفعل برامج خاصة، وأخرى عامة، وأهداف محددة.
ومن المعلوم أن أجهزة الإعلام بمختلف وسائله وأنواعه في العصر الذي نعيش فيه قد ارتقت وتطورت بسرعة فائقة، مستفيدة من الإنجازات الحديثة التي تحققت في المجال السمعي البصري، ومما حققته الثورة التقنية المعاصرة من إنجازات باهرة تزيد من فاعليته وتأثيره، ومن سلطته أيضا.ولاينكر أحد ما له من دور خطيرة في التأثير في المجتمعات وتوجيهها، ولايقتصر الأمر على الخطاب العام وأهدافه، والرسالة المتوخاة منه، باعتباره حمولة فكرية موجهة إلى فئة معينة محدودة، أو إلى عموم المجتمع،بل يتجاوز ذلك فيشمل لغة الخطاب أيضا، ومن المعروف أن كثيرا من الألفاظ والعبارات تروج ويتسع تداولها بتأثير وسائل الإعلام، وهذا الدور المزدوج يزيد من قوة سلطته، ويمنحه إمكانات زائدة للتأثير، خاصة و انه يوظف طرق متعددة في الإغراء والإقناع، واستهداف مختلف قوى المجتمع وإحساساته وعواطفه، عن طريق التكرار وتلوين الخطاب ،واختيار القوالب اللغوية المناسبة مثل العبارات المسكوكة التي يرددها الناس استظرافا لها.
ويعتقد نور الدين بليبل في كتابه الارتقاء بالعربية في وسائل الاعلام أن اعتماد اللغة العربية الفصحى في الاعلام سيتيح لامحالة التقارب بين المجتمعات العربية وتقويتها، ومواجهة التحديات بمواقف أكثر وحدة وقوة.وعلى صهرها في بوتقة قومية عربية مشتركة وتتحمل أجهزة الإعلام في العصر الذي نعيش فيه مسؤولية ضخمة في الحفاظ على اللغة العربية، وتقويم اللسان العربي ورعايته، وتصحيح الأخطاء التي ترتكب في حق العربية وحماية الجماهير العربية من الانحراف بها ،هذا يعني أن وسائل الإعلام قادرة على تنمية الملكة اللغوية عند المتلقي، مما سوف يؤدي إلى الارتقاء بالإعلام نفسه، والتحول من لغة الأمية والجهل "العامية " إلى لغة العلم والحضارة "الفصحى"، والارتقاء بالأداء، وبناء القاعدة اللغوية والثقافية المشتركة، الفصحى،فالإعلام تعليم دائم ومستمر، ولكل الأجيال، من الأطفال وبناء خيالهم العلمي، والشيوخ، والذكور والإناث، إضافة إلى امتلاكه، من خلال الوكالات وشبكة المراسلين من مواقع الأحداث، والقدرات الخارقة في الحصول على المعلومة، والوصول إلى المتخصص في الأمر المطلوب، وإبداعه للوسائل التعليمية المتميزة، حيث يقدم الإعلام اليوم الثقافة والتوجيه والترفيه والمعلومة، إضافة إلى أنه يتميز بالاستمرار وتراكم التأثير، والتنوع، والتطوير، والابتكار للوسائل التي لا تتوقف .وحسن استخدامها من الصوت واللون والصورة واللغة والظلال والديكور ،في حين انه إذا ظلت أجهزة الإعلام تهمل الأداء الصحيح للغة العربية فسيبلغ الانهيار مداه ولا يستطيع أي منصف أن ينكر الدور الكبير الذي تلعبه وسائل الإعلام والأثر البالغ الذي تحدثه في الجماهير إيجابياً وسلبياً ، فلم يعد يقتصر دورها على التبليغ والنشر ولكنه تعدى ذلك تشكيل آراء الجماهير وإعادة بناء عقولهم وزرع اتجاهات عقلية في أذهانهم ،ذلك أن الإعلام أصبح، بما أتاح من وسائل متنوعة، يغطي قطاعات واسعة وعريضة من المواطنين، باهتماماتهم واختصاصاتهم وأعمارهم، ابتداءًا من عالم الطـفولة وانـتهاء بحـالات الشيخــوخة، لـذلك فالفاقد للوسيلة الإعلامية أصبح اليوم كالفاقد لحاسة من حواسه، فهو أشبه بالمعاق.
- وسائل الاعلام ودورها في تنمية الفصحى
بالاطلاع على نمادج من الصحف في الماضي ومساهمتها في خدمة اللغة العربية ، نجدها تتميز بدقة المفردات اللغوية وسلاسة العبارات وجزالتها، في آن واحد، وغزارة المعلومة المحققة؛ وتقصى الحقائق وتحليلها،وبساطة الأسلوب وروعته، إلى الحد الذى يمكن معه اعتبار بعض المقالات بمثابة قطعة أدبية من الطراز الراقى. بل إن الصحف القومية كانت تحرص على استقطاب كبار الأدباء والشعراء، ليكونوا ضمن كوكبة كتابها. كذلك، كانت نشرات الأخبار على شاشات التليفزيون وعبر أثير الإذاعة على موقع المؤسسة ، اذ مذيعو النشرات يحرصون على قراءة النشرة أكثر من مرة قبل ظهورهم على الشاشة أو قبل قراءة النشرة عبر الأثير، فلا يرتكب قارئ النشرة أى خطأ فى نطق الكلمات، وليس كما يحدث الآن عندما يُخطئ المذيع فى نطق بعض الألفاظ، إلى الحد الذى يبعث على الاعتقاد بأنه يقرأها لأول مرة أثناء ظهوره على الشاشة. وعندما يفطن هؤلاء إلى خطئهم، نجدهم يستخدمون اللفظ «بل»، ثم يعودون إلى قراءة الكلمة مرة أخرى، وكأن شيئاً لم يحدث. لقد أجاد المذيعون القدامى، فاستحقوا أن تُحفر أسماؤهم بحروف من ذهب فى ذاكرتنا.، كما هو الامر بنسبة لدور النشر القصص التاريخي وكتب التراث التي تعيد إلى اللغة العربية رونقها وجمالها وبهذا تتأصل اللغة العربية عند القارئ نطقاً وكتابة بأسلوب مشوق يتسم بسلاسة النطق وسهولة التعبير عن الفكرة والحرص على الفصل المنطقى بين العبارات. مما يجعل القارئ يستشعر روعة اللغة العربية فيحبها ثم يعشقها .
وفى عصرنا الحالى، يرى محمد إبراهيم عيد في كتابه ،الهوية والقلق والإبداع انه و من خلال تتتبع مسارات المساهمة المؤسساتية في مجال الإعلام الرقمي من زاوية صلتها باللغة العربية، وما تتركه من آثار في بنيتها ونموها وتأثرها بمحيطها، وذلك على المستوى الإيجابي أو السلبي، ولمواجهة عصر الكوكبية والتفجر المعرفي المتنامي لثورة الاتصالات والمواصلات،والسماء المفتوحة، كان لابد من الرجوع إلى اللغة العربية بوصفها بوتقة الانصهار العربي والوجداني والفكري لأمة عربية واحدة.اللغة العربية هي التي تصنع وحدة الفكر والعقل...في حين يرى عبد العزيز شرف في كتابه الإعلام الإسلامي وتكنولوجيا الاتصال ،ان استعمال الفصحى لغة للإعلام ليس مطلبا عسير المنال،فلغة الإعلام هي الفصحى السهلة المبسطة في مستواها العملي...والمرونة والعمق، وهي الخصائص التي تجعلها تنبض بالحياة والترجمة الأمينة للمعاني والأفكار، والاتساع للألفاظ والتعبيرات الجديدة، التي يحكم بصلاحيتها الاستعمال والذوق والشيوع.
وعلى الرغم من غنى اللغة العربية وقدرتها الدائمة على استيعاب مختلف التطورات،وقابليتها المستمرة للتجديد والتكيف مع التطورات،فإن دعاة وأحبار العولمة حسب قول أبو هيف في كتابه اللغة العربية وتحديات العولمة، مافتئوا يروجون لاغتيال اللغات القومية،مشككين في جدوى قدرتها على الحيلة في عصر الكوكبة، ولاشك أن هذه النظرة على مايطبعها من تحيز تقوم على "عنصرية واضحة تتهم فيها اللغات العريقة بالمحدودية والفقر...وترتكز هذه النظرة الدونية للغات الأخرى على وهن طبيعة اللغة العربية مثالا، وضعف قابليتها للتكنجة اللغوية والأدبية والثقافية...وعندما ننظر في بعض المسائل الدالة ندرك تهم هذه الفرضية مثل علاقة اللغة بالفكر،فاللغة العربية لغة الوحي والتقليد الثقافي العربي برمته،على أن عناصر الثبات فيها ليست عقبة أمام عناصر التغير الطارئة أو الوافدة،وبالقدر الذي نخدم فيه لغتنا، فإنها قابلة لخدمة تطور المعرفة وتكنجة الأدب والمعلومات.
إن الترابط بين الجانبين (اللغة والإعلام ) هو ترابط وثيق يصعب الفصل بينهما. فأجهزة الاعلام قد تكون لها خطورة على اللغة العربية وقد يطمس معالمها كمكون من مكونات الهوية، أمام زحف طوفان المعلومات والخطر المفترض للعولمة، والصراع الحاصل حاليًا بين اللغات العالمية من أجل البقاء،الا ان للفصحى مكانًا في الاعلام العربي لا تستطيع العامية أن تحتله.ويمكننا حين نستحضر ما كانت عليه لغتنا العربية في واقع الحياة اليومية قبل ثورة الاتصال وبعدها، أن نقرر أن حال الفصحى هو اليوم أفضل، وأن الآفاق أمامها أرحب. وقـد حدث ذلك على الرغم من كل مخططات قوى الهيمنة التي استهدفتها بالعداء وسعت إلى أن تحل محلها عاميات عربية. ان الاعلام داخل مجتمعاتنا العربية يمكن أن يقوم بدور " حصان طروادة " لتخليص العربية من ازدواجية الفصحى والعامية. يتطلب ذلك خطة مدروسة متدرجة المراحل، يشرتك في وضعها الكتاب واللغويون وتربويون وعلماء النفس و الاعلاميون. فلم يعد مقبولًا أن نظل نردد أن عامة جماهرينا لا تقبل من الفصحى إلا القرآن الكريم والحديث الشريف. فكيف إذن طابت لهذه الجماهير، بسليقتها العفوية، روعة شعر ناجي فى " الاطلال"!، ولا شك في أن ما قامت به المجامع من جهود للحفاظ على اللسان العربي والارتقاء باستخدامه كان له فضل خاص في احترام الفصحى والالتزام بها في التعبير في الموضوعات الحيوية في وسائل الإعلام. وها نحن نرى ما زرعته هذه الجهود يخرج شطأه ويستوي على سوقه. ويبقى أن تنجح هذه الجهود في تطوير مناهج التربية والتعليم وأساليب تعلم اللسان الفصيح لتجاوز ما يعانيه الطلاب من تلوث لغوي. وكذلك في تعريب العلوم.
وفي هذا السياق وحتى يقوم الاعلام بدور المنوط به في النهوض بالمستوى اللغوي العام في الدول العربية على نحو يحقق الوحدة اللغوية. لابد أن يؤمن بشعار "ابدأ بنفسك "، ولتكن البداية في التصدي لما يشكو منه كثير من الإعلامين من نقص المصطلحات الازمة لتغطية المفاهيم الجديدة الا يتوالى ظهورها بمعدل شبه يومي. بالاضافة الى ضرورة وجود دوائر مراجعين ومدققين ذوي أهلية يتابعون نشرات الأخبار والبرامج والأعمال المترجمة من أجل إصلاح ما فيها من أغلاط .و كذا الاختيار الواعي للإعلاميين الذين لديهم المقدرة على التحدث باللغة العربية الفصيحة ،ولديهم إلمام بقواعد اللغة العربية العامة. والاعلام، بحكم متابعته الفورية للاحداث، سباق إلى تناول المفاهيم الجديدة ، وبالتالي تقع عليه مسؤولية إشاعة مصطلحاته بصورة سليمة، وعليه في ذلك أن يتحاشى اللجوء إى كلمات لا تتسم بالدقة، مما يشوه المفهوم المقصود بالمصطلح الاجنبي، بل يؤدي أحياناً إلى زرع مفاهيم خاطئة" ، و ايضا تحفيز الحضور المتنوع للغة العربية، ودعم مجالاته، وذلك بالوسائل التقليدية، أو الوسائل المبتكرة، ومن خلال المشروعات الكبرى، أو المبادرات المختصرة.
إرسال تعليق
ضع تعليقك هنا