اقرا ايضا
مناقشة أطروحة جامعية حول موضوع "الأولياء
الصلحاء" وتحولات المقدس بالمغرب (الريفين الأوسط والشرقي)
نوقشت يوم الجمعة 21 أكتوبر 2016 مساء بقاعة نداء السلام بكلية
الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الأول بوجدة، أطروحة دكتوراه في موضوع:
"الأولياء
الصلحاء وتحولات المقدس بالمغرب: دراسة في التاريخ السيوسيوثقافي للتدين في
الريفين الأوسط والشرقي"، والتي أعدها الباحث مراد جدي تحت
إشراف مزدوج (الدكتور محمد استيتو، والدكتور فريد لمريني الوهابي)، وقد تكونت لجنة
المناقشة من السادة الأساتذة الأجلاء:
- الأستاذ الدكتور بنيونس بنقدور رئيسا (كلية الآداب وجدة)
- الأستاذ الدكتور أحمد الكامون مقررا (كلية الآداب وجدة)
- الأستاذ الدكتور محمد
جحاح مقررا (كلية
الآداب مكناس)
- الأستاذ الدكتور بلقاسم جطاري مقررا (كلية
الآداب وجدة)
- الأستاذ الدكتور فريد لمريني مشرفا (كلية الآداب وجدة)
وبعد المداولة قررت اللجنة العلمية منح الباحث
مراد جدي شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع التنويه بهذا العمل الجاد والمهم
والتوصية بالعمل على طبع الأطروحة بعد إنجاز التصويبات المطلوبة.
وفيما يلي أهم
معالم التقرير الذي ألقاه الباحث مراد جدي أمام اللجنة العلمية:
بسم الله الرحمن
الرحيم
بعد الشكر والتقدير للسادة الأساتذة،
من خلال البحث الميداني والدراسات التي تناولت
ظاهرة الأولياء والصلحاء تبين لي أن الانشغال بهذا الموضوع له ما يبرره واقعيا،
فما زال الاعتقاد في بركتهم مترسخا بقوة في المتخيل الجمعي ومؤثر في بناء
استراتيجيات الفاعلين الاجتماعيين الفردية والجماعية، رغم ما يعتمل داخل الحقل
الديني والثقافي عموما من خطابات رافضة لهذه التصورات والممارسات ذات العلاقة
بالموضوع.
لذلك أسعى من خلال هذه الدراسة إلى تحليل بنية
المقدس الولائي والصلاحي في الثقافة المغربية تمثلا وحضورا، والكشف عن آليات
اشتغال المتخيل الرمزي بوصفه المجال الذي يحيا فيه المقدس حركيته، ويجد فيه سنده
المرجعي، بغية الكشف عن دور هذا المقدس في بلورة ثقافة المجتمع الراهنة، وتفاعلاته
مع المكونات الأخرى لهذه الثقافة في إطار صيرورة التحول الثقافي. وهذه الدراسة
تجعل من منطقة الريفين الأوسط والشرقي بشمال المغرب ميدانا لمقاربة الموضوع.
ترتبط أهداف وأهمية الدراسة بالإشكاليات
والتساؤلات التي تسعى إلى الإجابة عنها، وتقديم نتائج علمية وموضوعية بصددها،
والتساؤل المركزي يركز على تحليل كيفية ظهور وصناعة الولاية والصلاح بالمجتمع
المغربي والريفي خاصة، وحيازتها لمكانتها في فضاء الفعل الاجتماعي وبناء سلطتها في
هذا الفضاء. وعليه نتساءل:
كيف يصنع الأولياء والصلحاء؟ وما هي آليات فعلهم
في المجتمع؟ ومن هم الفاعلون في هذه الصناعة وروادها؟ وما علاقتهم بأشكال الفعل
الاجتماعي؟
ترى هذه الدراسة أن ولادة نسق الولاية والصلاح
فعل بالغ التعقيد والتركيب، وليس نتاجا لولادة ناجزة أو إفرازا لوضعية تاريخية
مشروطة بعوامل ظرفية محددة أو رد فعل على سياق معين مأزوم، بل هو تراث وتقليد عابر
للأزمنة بالمفهوم الأنثروبولوجي، وحركة بالمفهوم السوسيولوجي. فالولاية والصلاح
موضوع إرث واكتساب واستثمار وتراكم، وبالتالي لها صيرورة تاريخية وليست حالة قد
تظهر وتنحصر في مرحلة تاريخية بحد ذاتها، فهي جاءت حصيلة تلاؤم بين بنيات الفضاء
الاجتماعي الموضوعية وأشكال الفعل الاجتماعي للأولياء والصلحاء في تمثلهم لأسس
الرأسمال الرمزي للولاية والصلاح.
انطلاقا مما سبق تقوم دراستنا على التوليف بين
مناهج الدراسة التاريخية والأنثروبولوجية والسوسيولوجية؛ ويقتضي المنهج التاريخي
دراسة الأصول الثقافية المؤثرة في صناعة نسق الولاية والصلاح بالتنقيب في ماضي هذا
النسق ورصد مراحل تطوره ومحطات صيرورته وصولا إلى الشكل الحاضر للنسق. فهذه
المقاربة تعتمد على استنطاق التحقيب التاريخي وتداخلاته تبعا لمديات تأثيره في
صناعة الصورة الحالية للولاية والصلاح، ما يستدعي باللزوم اعتماد تقنية
"الزمن الطويل"، "وهو زمن الحركة على المدى الطويل الذي يمتد على
قرون.
إن المنهج التاريخي غير فعال دون ربطه بأدوات
التحليل الأنثروبولوجي، ولعل هذا أهم ما يميز المقاربة التأويلية في
الأنثروبولوجيا، لذا فإننا وظفنا بشكل أساسي منهج التحليل الأنثروبولوجي الرمزي في
طبعته التأويلية. من هنا فإننا نسعى إلى فهم طبيعة نسق الولاية والصلاح وضبط آليات
اشتغاله وصيرورة تحولاته انطلاقا من تصورات الأفراد وتمثلاتهم الثقافية حول الوجود
وعلاقاتهم الاجتماعية أكثر من الاهتمام بالجوانب الوظيفية. ومن هنا فإن العمل الذي
قمنا يرتكز على اعتبار الولي الصالح "وحدة رمزية أساسية في التحليل"، أي
تناول الولي الصالح من شتى الجوانب والأداة التقنية المعتمدة في مثل هذا النوع من
المقاربة، تتمثل في استخدام تقنية "السيرة / الترجمة"، واعتمدنا تقنية
"الوصف الكثيف" كإحدى الأدوات المنهجية المهمة لتحليل السياقات الثقافية
والتاريخية المرتبطة بظاهرة أنثروبولوجية معينة، هي هنا ظاهرة الأولياء والصلحاء.
تتكون الأطروحة من جزئين، يتضمنان ثلاث أبواب
وملاحق. يتشكل الجزء الأول من مقدمة وبابين وفهرس الجزء الأول. خصصت المقدمة
لتحديد الموضوع ودواعي اختياره، والأهمية والقيمة التي تضيفها الدراسة نظريا
وتطبيقيا، ثم تأطير البحث وطرح إشكاليات الدراسة، وبناء الفرضيات، وبعدها إبراز
منهج الدراسة ومصادرها ومراجعها، والمنهج أو المناهج المعتمد (ة) في مقاربتها،
واستعراض الدراسات السابقة حول الموضوع وخطوطها العريضة، وتحديد خطتها وتصميمها،
ثم إبراز الصعوبات والعوائق.
أما الباب الأول والذي أعطينا له كعنوان:
"جدلية البركة والمجال"، يتشكل من خمسة فصول تبتدئ بمعالجة مفهوم المقدس
وماهيته وعلاقته بالديني واستخلاص سماته وخصائصه كما عالجها الدرس العلمي الغربي
ومن منطلق التصور الإسلامي، ثم يمر إلى الكشف عن علاقته بمقولة البركة بوصفها
تجسيدا لتجربة المقدس في النطاق الديني الإسلامي، ثم تتبع مسار تطور هذه المقولة
من مجرد كونها معتقدا دينيا بسيطا إلى اعتبارها ظاهرة سوسيو-ثقافية مؤسسة للولاية
والصلاح. ويبحث بعد ذلك في مفهوم التحول الثقافي بوصفه خاصية ثقافية مميزة
للمجتمعات الإنسانية على اختلافها، وأثره في تشكيل أنماط التدين، حيث تقارب بداية
مفهوم الثقافة في علاقته بمفهوم الدين، ثم توضح كيفية بناء أنماط التدين في خضم
صيرورة التحول الثقافي ما يؤدي إلى تعدد وتباين مستوياته وأشكاله. لتقف على أحد
هذه الأشكال المندرجة ضمن ما يطلق عليه وصف التدين الشعبي ألا وهو نمط الولاية
والصلاح، ساعية إلى رصد دلالاته المختلفة من خلال المصادر اللغوية والدينية
والصوفية، واستقصاء تعابيره وتجلياته في نطاق الثقافة الشعبية المغربية للوقوف عند
أشكاله وأنماطه المتعددة والممتدة. وفي الأخير نقدم المجال المدروس "الريفان
الأوسط والشرقي"، بإبراز التطور التاريخي لدلالات هذا المجال التاريخية
والجيوسياسية - الإدارية، والوقوف عند مقومات إطاره الطبيعي وسمات بنيته البشرية
وأشكال تنظيماته الاقتصادية والسوسيو-سياسية ذات العلاقة بهذه الظاهرة، والتي
ساهمت بطريقة أو أخرى في تشكيلها أو توجيه مسارها.
والباب الثاني وعنوانه: "دورة وآليات صناعة
البركة وأسس سلطة الأولياء والصلحاء"، فيتكون أيضا من خمسة فصول، افتتحها
الفصل الأول بإبراز معالم الولاية والصلاح في المرحلة الممهدة للتصوف، واشتغل على
نموذج آل صالح بنكور، من حيث إبراز السياقات التي أطرت هذه التجربة، وتفكيك رموز
تجربة الولاية والصلاح من خلال مثال بنو صالح بنكور، للكشف عن الصيغة الرمزية
المتفاعلة المحددة للمعايير والمقاييس التي تحكم عملية صناعة الولاية والصلاح في
هذه المرحلة. وتناول الفصل الثاني تدخلات ومداخل التصوف في ضبط صيرورة نسق الولاية
والصلاح عبر إفراز نهجي المجاهدة والرياضة، والصحبة والاقتداء كمسلكين لحيازة
مشروعية الولاية والصلاح، وتطرق لمسلك الجذب والملامة أو ما يمكن تسميته
"الجنون المقدس" كمدخل للولاية والصلاح، ثم أبرز الحضور النسوي في نسق
الولاية والصلاح تمثلا وفعلا. وانصب الفصل الثالث على تحديد دور براديغم الشرف في
صناعة سلطة وصورة الولاية والصلاح، حيث استعرض تطور هذا البراديغم داخل الحقل
الديني والسياسي دلاليا ومؤسسيا، ليتوصل إلى تحديد أوجه علاقته بالتصوف وفرض الشرف
الصلاحي كضرورة سوسيو-ثقافية وأدلجة لنسق الولاية والصلاح بصناعة نبالة دينية.
واشتغل الفصل الرابع على تحديد ماهية سلطة الأولياء والصلحاء والأسس التي تقوم
عليها، وتمنحها أدوارها ووظائفها في الفضاء الاجتماعي، مبرزا المفاعيل الرمزية
لهذه السلطة التي تضفي عليها قيمة ووجاهة. في حين تطرق الفصل الخامس لموقع
الأولياء والصلحاء في الفضاء الاجتماعي ونوعية العلاقات التي جمعتهم بالفاعلين
الاجتماعيين الآخرين، وتم تحديدهم في ثلاث مكونات أساسية: الفقهاء، السلطة
السياسية، القبيلة، هذه العلاقات التي ظلت تتأرجح بين التعاون والتنافس، بين
الولاء والثورة والانقباض، بين التمثيل والخدمة.
في حين تمت هندسة الجزء الثاني بتضمنه الباب
الثالث وملاحق الدراسة والخاتمة العامة وفهارس الأطروحة. وتشكل الباب الثالث من
خمسة فصول على غرار البابين السابقين، وتمحور حول طريقة ترسيم نسق الولاية والصلاح
لذاته في الفضاء الاجتماعي واستدامة سلطة البركة. خصص الفصل الأول منها التطور
الحاصل في نسق الولاية والصلاح من التجارب الفردية إلى الانتظام في شبكات تسمح
للصلحاء بالتعاون فيما بينهم وتعديل مناهجهم، قبل أن تتخذ بوادر تنظيمية جنينية في
شكل رابطات وزوايا. واهتم الفصل الثاني بتحليل عملية المأسسة الهيكلية لنسق الولاية
والصلاح وتحوله إلى أدوات وتقنيات، واستعرض في هذا الصدد خاصية نظيمة الزوايا
وهيكليتها وتشكيلتها، ليقدم بعده عرضا مفصلا حول أهم هذه المؤسسات بمنطقة الريف ما
بعد القرن 16م. واتجه الفصل الثالث نحو مؤسسة الضريح ودورها بالنسبة لنسق الولاية
والصلاح، مبزرا تطورها وملامح تاريخها السوسيو-ثقافي، وما أدته من وظائف عديدة
للفرد والجماعة. ليتوصل الفصل الرابع إلى الكشف عن الدلالات السوسيو-ثقافية التي
تحملها جغرافية المقدس الضريحي، مع الوقوف عند وضعية فضاءات الأضرحة في الراهن
المجالي لتحديد مكانة النسق في البناء الثقافي والاجتماعي للمجتمع المغربي
المعاصر. ومن خلال الفصل الخامس تم الكشف عن قدرات الاستمرارية والتجذر التي فعلها
نسق الولاية والصلاح من خلال ابتداع مجموعة من الممارسات والطقوس والتقاليد، ساهمت
في إبقاء سلطته حية متكيفة مع متغيرات الواقع، وتم التركيز أساسا على طقوس الزيارة
وتقاليد المواسم مع تحليل بنيتهما والكشف عن أنساقهما الرمزية. وانتهى البحث
بخاتمة عامة تحدد أهم النتائج المتوصل إليها من هذه الدراسة والآفاق التي تفتحها
في مجال البحث العلمي لإغناء الموضوع.
وجاء هذا الجزء متضمنا لملاحق تتضمن المعطيات
التي تأسس عليها التحليل، وتتكون هذه الملاحق من قوائم بالأولياء والصلحاء
والمتصوفة الذين تم جردهم من خلال الدراسة، ثم قائمة خاصة بالأضرحة المدروسة،
وأخرى بالزوايا. كما تم تضمين هذا الملحق مجموعة من الخرائط والصور ونسخ المخطوطات
والوثائق والظهائر التي تم الاشتغال عليها. إضافة إلى فهارس مختلفة تشمل الجداول
والرسوم والمبيانات والخطاطات والأشكال الواردة في متن هذه الدراسة. علاوة على
البيبليوغرافيا والفهرس العام.
ويمكن القول ختاما بأن نسق الولاية والصلاح كنمط
من التدين وكنسق رمزي، هو نموذج لتفاعل المقدس مع كل الظواهر والعمليات
السوسيو-ثقافية تأثيرا وتأثرا. ويتميز هذا النسق بطابع دينامي واضح يساعده على
البقاء والاستمرار والتوازن والانتشار خارج حدود المكان والزمان والثقافة، فله
قدرة فائقة على التغير والتحول في التفاصيل والمظاهر دون المقومات الأساسية
والتكيف مع الأوضاع والظروف المتغيرة المحيطة بالمجتمع.
إرسال تعليق
ضع تعليقك هنا