اقرا ايضا
كتبه: أبو مدين شعيب تياو، وبدر الحمري، وأبو الخير الناصري
نظمت شعبة اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، ندوةً علميةً دولية في موضوع:
“مركزية سيبويه في الثقافة العربية” يومي الأربعاء والخميس 14 و15 ربيع الأول 1438هـ/ 14و15 من ديسمبر 2016
بقاعة العميد محمد الكتاني بالكلية المذكورة. وقد شارك في فعاليات هذه الندوة عدد من العلماء والباحثين من تونس، والجزائر، والمملكة العربية السعودية، والسودان، والمغرب، وتوزعت أشغالها على جلسة افتتاحية، تلتها خمس جلسات علمية، فجلسة ختامية.
الجلسة الافتتاحية
بعد افتتاح أشغال الندوة بتلاوة آيات من كتاب الله تعالى رحّب الدكتور محمد سعد الزموري، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، بالمشاركين والحاضرين، ثم تحدث في أهمية هذه الندوة، فوصفها بالحدَث الذي يثلج الصدر لاعتبارات من أبرزها كونها “استمرارا لحركية علمية، وانتعاشا وصحوة بارزة في شعبة اللغة العربية في الأعوام الأخيرة”. كما نوّه السيد العميد بحُسْن اختيار موضوع هذا اللقاء العلمي، وذكر أن أهمية مثل هذه الندوات تكمن في استحضارها للماضي وتقويمها إياه كيما تتحقق الاستفادة منه في الحاضر، ودعا – في ختام كلمته – إلى جمع أعمال الندوة وإعدادها للطباعة والنشر.
تناول الكلمة عَقِبَ ذلك الدكتور محمد الحافظ الروسي، رئيس شعبة اللغة العربية وآدابها بالكلية، فرحّب بدوره بالمشاركين والحاضرين، وأشار إلى عددٍ من مناقب سيبويه ومكانته العلمية في الثقافة العربية، مع ذكر فضل (الكِتاب) وما لقيه من احتفاءِ العلماء به، وتفرغِ كثيرٍ من أهل العلم “لشرحه، وبيان ما فيه، وشرح مشكلاته، ونُكَته، وأبنيته، وشواهده، والاعتراض عليه، ورد تلك الاعتراضات حتى كان من ذلك نحوُ ستين كتابا”، مبينا أن ذلك كله مما جعل شعبة اللغة العربية وآدابها بالكلية تفكر في أن “تهدي لأهل العربية جملة أبحاث تتعلق بهذا الرجل الذي يعد من عباقرة البشرية”.
أما الدكتور عبد الرحمن بودرع، رئيس اللجنة العلمية المنظمة للندوة فتمحورت كلمته حول السؤال: لماذا عقدُ ندوة خاصة بهذا العَلَم اللغوي الكبير؟
وأشاد د.بودرع بكتاب سيبويه معددا مناقبه، قائلا إنه كتاب انبثقت منه علومٌ كثيرة، وهو ما جعله “كتابا أَصْلاً يَسْتغني عن غيره من المصنَّفات ولا يُسْتغى عنه”. كما أشار إلى موضوعاتٍ ذات صلة بسيبويه ينبغي للباحثين أن يشتغلوا بها، وذكر منها بيان ما أخذه سيبويه ممن سَبَقه، وأثر سيبويه في اللاحقين، وسيبويه المفترى عليه. ونبَّه، في آخر كلمته، على أن من المقاصد الكبرى لهذه الندوة “إحياء ذكرى سيبويه والوفاء للغة العربية في هذا الظرف العصيب الذي تعاني فيه الأمّةُ مرارةَ محاولة إبادة هويتها”.
الجلسة الأولى برئاسة الدكتور محمد الحافظ الروسي
قُدّمت في هذه الجلسة ثلاثة أبحاث أولها بعنوان: قضايا في سيرة سيبويه وكتابه ما زالت في حاجة إلى بحث، للدكتور سليمان بن يوسف الخاطر، ابتدأه بالإشارة إلى راهنية كتاب سيبويه، مستدلا على ذلك بأمور كصدور كُتُبٍ حديثةٍ تتهجم على سيبويه واللغة العربية.
وتحدث د.الخاطر عن أمور متعلقة بحياة سيبويه هي محل نزاع بين الباحثين، ومنها تاريخا ميلاده ووفاته، وبعض مناظراته، ومذهبه العقدي وأثره في كتابه، مشددا على أن تعميق البحث في هذه القضايا مفيدٌ في فَهْمِ (الكِتاب) وحُسْنِ دراسته.
كما عرَّج المتدخل على ذكر عدد من القضايا التي اختلف فيها المعاصرون عند دراستهم لكِتاب سيبويه، ممثلا لها باستشهاده بالحديث النبوي..ليخلص، في نهاية كلامه، للدعوة إلى الاشتغال بسيبويه في إطار المؤسسات اشتغالا جماعيا، مؤسِّسا هذه الدعوة على الرغبة في تجاوز الاختلافات الكثيرة التي تَحْدُثُ بين الباحثين الأفراد وهم يدرسون بعض قضايا (الكِتاب).
بعد ذلك تناول الكلمة الدكتور فريد بن عبد العزيز الزامل السليم، متحدثا في موضوع الخلاف الموصوف بقلة الجدوى أو تخلُّفها، مُنطلِقاً فيه من إدراج بحثه في سياق تأليفي خاصٍّ هو عناية علماء النحو بالتأليف في الخلاف قديما وحديثا.
وقَسّم د.السليم بحثه إلى ثلاثة مباحث خصصها لدراسة أمور من أهمها اطلاعُ سيبويه على الخلاف بين مَنْ سَبَقه من العلماء، والمسائلُ التي حُكِمَ عليها بقلة الجدوى وتخلفها، ومسائلُ الخلاف النحوي في ضوء عِلَّة الحكم بقلة الجدوى، مقدّما، في كل مبحث من المباحث الثلاثة، أمثلةً ونماذجَ ونصوصاً تؤكد وجود الخلاف، وتبيّن مراتبَه وأسبابَ نشوئه، بما في ذلك الخلاف في فهم كلام سيبويه.
وختم المتدخل كلمته بذكر نتائج خلص إليها، ومنها أنَّ معيار الحُكم بقلة الجدوى يُوَجّه النظرَ إلى البحث فيما هو أجدى للباحثين، وأنَّ الخلاف بين بعض الباحثين في كتاب سيبويه يعود إلى اختلافهم في فَهْمِ عباراته.
أما البحث الثالث فقدمته الدكتورة مسعودة خلاف شكور في موضوع السياق في الأمثلة النحوية في كتاب سيبويه ودوره في تعليم اللسان العربي.
أشارت الدكتورة في مداخلتها إلى جملة من المفاهيم والمصطلحات المستعمَلة في الدراسات اللغوية المعاصرة كالسياق، والكفاءات النحوية، والخطابية، والاجتماعية..قائلةً إنَّ جذور مثل هذه المصطلحات موجودة في الثقافة العربية القديمة ومصنفاتها ومنها (الكِتاب) لسيبويه.
وسَعَت الباحثة للاستدلال على أن سيبويه لم يكن قصده توصيف اللغة العربية فحسب، ولكنه كان يرغب أيضا في تمكين المتعلمين من مَلَكة اللغة، واتخذت من بعض الأمثلة والشواهد الوادرة في (الكِتاب) أدلةً على أن الرجل كان شديد الاهتمام بقضايا من قبيل السياق ودوره في نمذجة اللسان وتوصيفه، والبُعْدان التواصلي والاجتماعي للسياق.
الجلسة الثانية برئاسة الدكتور محمد مفتاح
وقدّمت فيها ثلاثة أبحاث علمية، أولها للدكتور علي بن موسى محمد شبير بعنوان: نَحْوُ سيبويه، ذكر في مستهلها أن كتاب سيبويه لم يَخلُ من مباحث البلاغة، والتفسير، والعَروض، والشعر، ولهجات العرب..وكلُّ ذلك هو النحو كما ذكره سيبويه.
ثم حلل الدكتور مجموعة من القضايا يمكن إجمالها فيما يلي : 1- نَحْوُ الكتاب والتفسير. 2- نحو الكتاب والقراءات، مشيراً في هذه النقطة إلى أن الكتاب مليء بالقراءات وتفسيرها وتوجيهها ونقلها.3 – نحو الكتاب والحديث ومصطلحه. 4- نحو الكتاب والفقه وأصوله. 5- نحو الكتاب وعلوم البلاغة. 6- نحو الكتاب وعنايته باللهجات (العربية )..
مؤكدا في ختام بحثه أن كتاب سيبويه يسير وَفْق إطار وظيفي، يرتبط بالجوهر العَقَديّ، وهو فهم النص الشرعي، وأنه من خلال الغاية التربوية المحورية للكتاب يتضح أنه كتاب شامل لكل القضايا التي يطرحها.
أما المداخلة الثانية، فكانت للدكتور أحمد بوعود، بعنوان: سيبويه وأصالة النحو العربي، موقف المستشرق جيرار تروبو G,Troupeau. انطلق فيها من إشكال أصالة النحو العربي، متسائلا: هل هناك تأثير للمنطق الأرسطي في النحو العربي ؟ وقَسّم الدكتور بوعود مداخلته إلى مبحثين، خصص أولهما للحديث عن المستشرقين الذين عَدّوا النحو العربي مؤسسا على الفلسفة اليونانية، خاصة المنطق الأرسطي، ممثلا لهذه الأطروحات بنماذج من بينها مقولات المستشرق مركس الذي نفى كلّ أصالة عن نحو سيبويه واتهمه بالتأثر بنحو الأمم الأخرى.
وخصص المبحث الثاني لتفصيل القول في أطروحة جيرار تروبو القائلة بأصالة النحو العربي، مقدما ما استدل به هذا المستشرق على صحة أطروحته من أدلة مختلفة كموازناته بين دلالات بعض المصطلحات في كتاب سيبويه ودلالاتها في النحو اليوناني.
وخُتمت هذه الجلسة بمداخلة ثالثة للدكتورة سميرة حيدة عنوان: المسائل التي وافق فيها ابنُ هشام النحوي إمامَ النحاة سيبويه في كتابه “مغني اللبيب عن كتب الأعاريب”. وقد ابتدأت المتدخلة بالإشارة إلى تأثر اللاحقين من النحاة، ومنهم ابنُ هشام، بإمام النحو سيبويه، ثم عرَّجت على ذكر مكانة ابن هشام بين العلماء وإشادتهم بكتابه “مغني اللبيب”، لِتَخلصَ إلى القول باستفادة ابن هشام من سيبويه، ونَقْلِه عنه، ممثلة لذلك بقضايا وافقَ فيها صاحبُ “مغني اللبيب” آراء لسيبويه. ومن تلك القضايا:1 – القول في “رُبَّ” بين الحرفية والاسمية. 2-“كيف” الشرطية لا تجزم فعلين.
الجلسة الثالثة برئاسة الدكتور عبد الكريم المرابط الطرماش
وقد استُهلّت هذه الجلسة ببحث عنوانه: التزام سيبويه الدينيّ، مظاهره وأثره، قدمه الدكتور عبد الله بن محمد بن جار الله النغيمشي، وابتدأ بتمهيد بَيَّن فيه النشأةَ الدينية التي نشأها سيبويه، بصحبته للفقهاء وأخذه عنهم العلوم الدينية، كما ذكر الدكتورُ ثناءَ علماء العربية عليه ورضاهم بدينه، وأنه كان على مذهب أهلِ السنة والجماعة.
وقد تناول في الفصل الأول من بحثه مظاهر تدينه، ومنها أمانته العلمية، فهو ثقة صدوق، وكذلك أسلوبه في الكتاب؛ فكثيرا ما يستعمل عباراتٍ تعبر عن حسّه الديني المرهف، كقوله: إن شاء الله في ما يؤمّل بيانَه في الأبواب اللاحقة، وإجلاله للخالق كقوله قال جل ثناؤه، وقال جلّ وعزّ، وإكثاره من التمثيل بعبد الله، لأنه من أحب الأسماء إلى الله تعالى. ومنها أيضا كثرة استشهاده بالآيات القرآنية.
وذكر في الفصل الثاني أثر هذا الالتزام الدينيّ في الدراسات، ومنه قوله: لفظ الجلالة أعرف المعارف، وبين الباحثُ أنه لم يقف على ذلك منصوصاً في كتاب سيبويه، ومنه أيضاً أنَّ “كان” إذا دخلت على أسماء الله وصفاته كانت دالةً على الاستمرار ككان الله غفورا رحيما، وأن فعل الأمر والفعل المضارع المقرون بلام الأمر ولا الناهية إذا كان المخاطبُ الخالقَ كان الغرضُ منها الدعاءَ، وغير ذلك من الألفاظ الدالة على حرص سيبويه على تعظيم البارئ تعالى وتنزيهه عما لا يليق به.
وتلت ذلك كلمةٌ للدكتور نصر الدين وهابي وكان بحثه بعنوان: لغة القرآن الكريم في نظرية سيبويه النحوية، تطرّق فيه إلى منهج سيبويه في التعامل مع القرآن، وحرصه على الصناعة النحوية وتوسله بها إلى شرح الآيات المشكلة. وقد قدم نماذج وأمثلة مردوفةً بالمناقشة والتحليل. كما نبه إلى أن من منهج سيبويه الإمساك والسّكوت عن بعض الآيات إذا رأى أن الكلام عنها قد يخرجه عن حدود الصناعة النحوية.
ثم تلا ذلك بحث الدكتور عادل فائز بعنوان ملامح التفسير في كتاب سيبويه، وتكلم عن حضورٍ للشواهد القرآنية في الكتاب التي بلغت الأربعمائة، وقد تبدو قليلةً، لأنّ سيبويه لا يقف إلا على الآيات المشكلة، ثم ذكر جملةً من ملامح التفسير في الكتاب منها: تفسير الإعراب وتفسير المعنى، واعتماد التفسير في تخريج بعضِ القراءات وتوجيهها، وشرحه للألفاظ شرحًا معجميًّا والبحث عن المعنى، وتوظيف “أي” التفسيرية، والمنزع العقلي في التفسير، وقد قدم أمثلة لهذه الملامح مردوفة بالشرح والمناقشة، كما بين تأثر اللاحقين بهذه الملامح، كالفراء وابن عطية والزمخشري، فإذا تعرضوا للآيات المشكلة استشهدوا بما قاله سيبويه فيها.
وختمت هذه الجلسة ببحث للأستاذ عبد الواحد الصمدي عنوانه الشاهد القرائيّ في (الكتاب) قراءة في المنهج والتوظيف، استهله ببيان اطلاع سيبويه على القراءات ومعرفته بها، فضلا عن العلوم الشرعية التي كان مشتغلا بها، فقد كان آخذا من كل علم بسببٍ.
ثم بين الباحث منزلة القراءات في (الكتاب) وتنوعّها واحتواءَه على عدد من الشواهد القرآنية، ثم ذكر أن منهج سيبويه في القراءات يأتي على صور منها: إبهام النسبة نحو: قرأ بعضهم، والنسبة إلى البلد نحو: أهل الحجاز، أهل المدينة، أو النسبة للقارئ مع تعيين اسمه، منبهًّا إلى أمر مهمٍّ، وهو أنه لا يرجع في ضبط مصطلحات سيبويه إلى المتأخرين، بل إلى ما اعتمده أهل عصره وقرَّرُوه.
وقد قام الأستاذ الباحث بتصنيف مجالات استدلال سيبويه بالقراءات، وذكر منهجه في ذلك، مع الشرح والتمثيل، وكذلك حسر الخمار عن بعض مصطلحات سيبويه، والمراد من حكمه على آيات بنحو قوله: لغة جيدة، لغة قليلة، لغة رديئة، لغة ضعيفة، ونبه إلى أن سيبويه يقصد اللغة التي وردت عليها القراءةُ لا القراءة بعينها.
الجلسة الرابعة برئاسة الدكتور نزار التجديتي
وقدَّم أوَّلَ بحث فيها الدكتور محمد سعيد صالح ربيع الغامدي بعنوان ملامح نحو سيبويه في آثار الدارسين، بين فيه مرحلتين مرّ عليهما النحو، تجدر معرفتهما والتَّمييز بينهما، فالأولى: نحو سيبويه، والأخرى نحو المتأخرين، بمعنى أن الكتب التي ألفت مبكرا في النحو ككتاب سيبويه والمقتضب مثلا إنما ألفت في المعرفة اللغوية، أي في تحليل معرفة المتكلم لغته، وليست في تعليم العربية مَن لا يَعلمها، لذلك فهي تختلف اختلافا بيّنًا عن الكتب المتأخرة كالألفية وشروحها فهذه الكتب تنحو نحواً تعليميّا، وقد فصل الدكتور في ذلك وبين شيئاً من السمات التي تغلب على كل مرحلة وملامحها.
تلا ذلك بحث الدكتور المنصف عاشور، وعنوانُه منزلة المعاني النحوية من خلال شروح كتاب سيبويه، وتكلّم عن الدلالات النحوية وعمن عُنوا بها كابن جني والسيوطي، وعن بعض النظريات اللسانية، وعن شروح كتاب سيبويه، كما تكلم عن بعض المصطلحات النحوية التي تسعف في فهم الكلام النحوي، ثم صنف المعاني إلى أنواع وأنماط خمسةٍ، وهي: المعاني الصرفية أو التصريفية، والمعاني الصيغيّة أي الاشتقاقية، والمعاني والوظيفية كالفاعلية والمفعولية، والمعاني المتصلة بالحالات الإعرابية من رفع ونصب وجر وجزم، والمعاني المقامية أي التي يقتضيها الحال.
وأعقبَ ذلك بحث عنوانه المشروع الصوتي لسيبويه في «الكتاب» معالمه وامتداداته وتقاطعاته المعرفية، للدكتور أحمد البايبي، وبين في مستهل كلامه أن مشروع إمام اللغة سيبويه كان مشروعا نحويا شاملا متعدد المستويات، وللمستوى الصوتي حضور بارزٌ وتمايز جدير بالنظر، إذ يتضمن بين طياته عناصر عديدة. وقد ذكر الدكتور الباحث أن سيبويه وارث علم الخليل رائدِ الدراسات الصوتية، وصاحب الجهود اللغوية المكثفة، بكتابه الذي يعد أوّل مصدر أساس يسير على نهجه جل الدراسات الصوتية والتجويدية. ثم ذكر معالم هذا المشروع وأهم المعالم التجديدية التي جاء بها سيبويه، ومنها: أنه مشروع صوتي منظم شامل في الدراسات الصوتية من حيث المخارج والصفات، وأنه طبع الدراسات الصوتية العربية بروافدها المختلفة، وميز مشروعه بغنى القضايا الصوتية المعالجة في الكتاب حيث ضمت الإدغام والإمالة والإبدال والإعلال وغيرها، وتضمن إنجازُه أيضاً إشاراتٍ هامة إلى الملامح التطريزية.
وذكر أيضا أن من معالم مشروع سيبويه تقسيم الحروف إلى أصلية وفرعية، أي ما يسمى حديثا بالفونيم والألوفون، وفصل في ذلك وبين كيف وافق سيبويه أستاذه الخليل في عددِ الحروف الأصلية، وخالفه في الترتيب، لأنه رتبه مخرجياًّ. ثم تكلم أيضا عن مخارج الحروف وصفاتها عند سيبويه، وحديثه – أي سيبويه – عنها ينبئ عن معرفته الدقيقة بأجزاء جهاز النطق، وكل أولئك بينها الدكتور بيانًا كاشفًا للّبس والغموض.
ثم ختمت هذه الجلسة ببحث للدكتور عدنان أجانه عنوانه: من قضايا الدلالة والنحو في كتاب سيبويه، وقد استهله بمقدمات بين فيها أن عمود الكتاب أنه مصنف في الأصول النحوية، ويعين الناظر فيه على امتلاك ناصية الصناعة النحوية، ويتعلم منه النظر والتفتيش. ثم تعرض الدكتور لما كتب عن سيبويه وكتابه وصنفه إلى ثلاثة أقسام: كتب المداخل كالكتب التي عنيت بما يتعلق بالكتاب من ترجمة أبوابه وسياق تأليفه ومنهج تصنيفه، وكتب المسائل التي عنيت بشرح الكتاب وبيان مستغلقه وتخريج أشعاره، وكتب الدلائل التي عنيت ببيان أصول النظر في كتاب سيبويه وكيفية بنائه للمعرفة النحوية والمسالك التي سلكها في صياغة أفكاره.
وقد تكلم الباحث عن عدة قضايا، ومنها قضية المصطلح، وانقسام الكلام إلى مستقيم حسنٍ ومحالٍ وكذبٍ وقبيح، وإلى محال كذب، فقد فصّل في ذلك وأردفه بالشرح والتمثيل.
كما ذكر اعتماد سيبويه الدلالة مرجعًا في تفسير التراكيب وتوجيهها، وتصحيحها، ثم تكلم عن آفاق الاستثمار في هذا الباب، وقدم مقترحات منها: العناية بالمصطلح الدلالي في كتاب سيبويه، من خلال جمع المصطلحات المنتمية إلى الدلالة، ومصطلح الكذب والصحة والضعف والاستكراه والتوسع والاستحالة والمحال، ومنها دراسة هذه المصطلحات وتدقيق دلالاتها، وتحديد مجالاتها وتتبع سياق ورودها في الكتاب، ومنها تتبع أفكار سيبويه المتعلقة بالدلالة في كتب النحو والبلاغة وغيرها.
الجلسة الخامسة برئاسة الدكتور عبد الهادي أمحرف
كان أول المتحدثين في هذه الجلسة الدكتور عبد الكريم المرابط الطرماش، في مداخلة عنوانها: الأبعاد القصدية للخطاب عند سيبويه، انطلق فيها من تحديد مفهومِ القصدية عند الفلاسفة واللغويين وتداخُلِه مع مصطلحات أخرى كالقصد والنية، ثم انتقل لبيان عناية سيبويه بعنصر القصدية في الكلام، مبرهناً على ذلك بنصوص من (الكِتاب) تتضمن كلماتٍ ومعانيَ ذاتَ صِلَةٍ بالقصدية.
وبعدما بَسَط المتدخل القول في أمور أخرى من قبيل نظرة سيبويه إلى المتكلم والمخاطَب والإشاريات الإنجازية الموجودة في (الكِتاب)، خلص للقول إنّ “الوعي القصدي عند سيبويه إشباعٌ لغوي دلالي من حيث الإدراك والامتلاك الحدسي للغة، وهو أيضا قرينةٌ تمييزية تساعد على تبيُّن الأبعاد التداولية للغة”.
بعد ذلك أعطيَ الكلمةَ الدكتور إدريس مقبول، فأشار في بدء مداخلته المسماة: العناية بالخلف: مدخل لتداوليات كتاب سيبويه، إلى أن تاريخ النحو العربي عالةٌ على كتاب سيبويه، ودعا إلى قراءة (الكِتاب) في سياقه التاريخي، وإلى الانفتاح على ما كتبه غيرُ العرب عن سيبويه..ثم انتقل لقراءة نَصٍّ من (الكِتاب)، ذاكرا أن ما أثاره فيه هو عناية سيبويه بالخَلْف (أي ما يتوارى خَلْفَ البنية اللغوية)، وقدّم تحليلا موجزا للنص السيبويهي المقروء، ليختم حديثه بالدعوة إلى تطوير مشروع سيبويه وتنميته.
تلته مداخلة الدكتورة فاطمة السلامي، في موضوع مباحث الظروف في كتاب سيبويه، قدمت فيها موازنة بين قضايا الظروف عند سيبويه وقضاياها في اللسانيات الحديثة، مُمَثِّلةً لكل منهما بأمثلة ونماذج متنوعة، ومُنتهِيةً من ذلك إلى خلاصات منها أنَّ النحاة عموما، وسيبويه خاصة أدرك العلاقة بين الظرف والحدث وحرف الجر، وأنَّ مفهوم الظرف في غير اللغة العربية أوسعُ منه في العربية، ودعتْ – بناء على ذلك – إلى استثمار ما طرحه اللسانيون المعاصرون في تطوير مباحث الظروف عند النحاة العرب.
وختمت هذه الجلسة بمداخلة للدكتور محمد فتحي موضوعها النظريات اللسانية وتجديد قراءة التراث اللغوي العربي، عرض فيها الباحثُ لبعض النظريات اللسانية الحديثة كنظرية جورج بوهاس، ونظرية التناوبات المصوتية..وأقوالها في الصوت والصرف، مبيناً من خلال عرضه عدمَ قدرة تلك النظريات على الإجابة عن بعض الإشكالات المرتبطة باللغة العربية صوتاً وصرفاً، وداعياً بذلك إلى استثمار معطيات التراث اللغوي العربي القديم لإغناء بعض النظريات اللسانية الحديثة.
الجلسة الختامية
وبعد هذه الجلسات العلمية التي تخللتها مناقشات علمية جادة ومفيدة أنهت الندوة أشغالها بجلسة أخيرة تُليتْ فيها آيات قرآنية كريمة، وقدم فيها الدكتور سليمان الخاطر كلمة باسم الضيوف المشاركين، ثم قرأ الدكتور عدنان أجانة أهم ما أسفرت عنه الجلسات العلمية من توصيات، ومنها:
1- العمل على إصدار البحوث التي قُدّمت لهذه الندوة في كتاب.
2- عقد ندوات أخرى حول سيبويه تتمحور كل ندوة منها حول جانب من الجوانب العلمية في الكتاب (الجانب الصوتي – القرائي – الدلالي – التداولي …).
3- التفكير في وضع قاموس جديد للمصطلحات النحوية، يراعي فيه التعريف الاصطلاحي للمفاهيم الأساسية وبيان التطور التاريخي للمصطلح النحوي.
4- توجيه جهود الباحثين في كتاب سيبويه نحو تحقيق شروحه المخطوطة ونشرها.
– جمع كل ما كتب عن سيبويه شرحا له أو ترجمة أو دراسة عنه أو تحقيقا له.
– وضع دليل مفهرس لكل ما يتم تجميعُه عن سيبويه وكتابه.
– ترجمة ما كتب عن سيبويه باللغات الأجنبية.
– تدريب الباحثين على التعامل مع “الكتاب” مصطلحا ومنهجا.
– متابعة الأعمال والبحوث والندوات التي تعقد حول سيبويه في مختلف أنحاء العالم ومواكبتها.
– التواصل مع المتخصصين من أجل توحيد الجهود وتعميقها وتوجيهها نحو أفق تأصيل المعرفة النحوية.
إرسال تعليق
ضع تعليقك هنا