اقرا ايضا


                  أكرمكم عند الشعر أجملكم !       بقلم د. ياسين حميد حزكر

في الآونة الأخيرة بدا أن كثيرا من الأصدقاء الافتراضيين فهموا خطابي النقدي بطريقة خاطئة؛ وأي سوء فهم، في جوهره، هو مشترك بين الكاتب والمتلقي باعتبار أنهما لم يحددا، في البدء، جهازا تواصليا محددا ولا ترددا معينا يلتقيان عنده. وبدا أن انتقادي للساحة الثقافية المغربية يتسع في كل اتجاه ويشمل الكثير من المؤسسات الثقافية، وليس ذلك مخيفا إذا علمتَ أنني أنطلق من رؤية واضحة ومحددة.
قد يَتَلَقَّفُ هذا الجدلَ الذي أثرته حول الساحة الثقافية من في قلبه نزغة من شر، ويحاول توجيهَه بعيدا عن مساره الطبيعي؛ أي نحو جدال فارغ حول قصيدة العمود ضد قصيدة النثر. وبالتالي؛ سندخل في ثنائية: (التقليدي والحداثي).
وقد يحسب كثير من المتابعين الشعراء وغير الشعراء أنني بالنظر إلى كوني أكتب قصيدة عمودية فإنني أدعم هذا التيار على حساب قصيدة النثر؛ وقد ينخدع الكثير منهم تلقائيا أو بفعل فاعل أو بتحفيز من أصوات أيديولوجية خفية.
سنة 2006 كان هذا الكلام لِيكونَ صحيحا؛ حينها كنت متعصبا حتى النخاع لقصيدة العمود مستهجنا للتفعيلة والنثر.. وهنا أتذكر مكالمة طريفة جمعت بيني وصديقي محمد عريج الذي اتصل بي، سنتَها، أول اتصال يجمع بيننا وسألني عما أكتب؟ فأجبته بكل فخر:
-     أنا عمودي حتى النخاع !!
احتجت إلى أربع سنوات أخرى حتى أخرج من هذه الحالة التعصبية التافهة، وبدأت أنفتح بالتدريج على قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر بشكل أقل. عقب ذلك، وهذا ما لا يعرفه الكثير من المتابعين الذين آمنوا بأنني عمودي، كتبتُ وأكتبُ قصيدة تفعيلة، أخفيها لأنني ما زلت أعتقد أنها لم تنضج بعد، وقد قرأتها على أكثر من صديق عمودي ونثري.. ثم إنني بعد تحرري من فكرة العمود لم أعد أراني –مستقبلا- في تطوري التدريجي إلا شاعرا سيكتب قصيدة النثر لا محالة !!
أنا لا مشكل لدي في الشكل الكتابي؛ اللغة مَشَاعٌ والإبداع حق للجميع. قد نختلف في الطريقة ولكننا نتفق في بحثنا عن الجمال..
ولكنْ لِنكن صرحين مع بعضنا، أليس أنَّ بين العموديين أنفسهم شاعر رديء وآخر لا؟؟ بلى، بينهم.
فيهم النظمي والإيقاعي وفيهم المتعثر باللفظ وفيهم المفتقر إلى المعنى؛ والكل في نظري ما زال في حالة بحث عن تناسبات روحية لكتابة قصيدة جميلة.. وكذلك هو من يكتب قصيدة التفعيلة، كما أن هذه هي الحال بالنسبة للنثريين.
ولكن حتى لا أكون قاسيا على أي واحد من هؤلاء لنقل: إن لكل واحد -داخل حساسية معينة- وثيرة مختلفة في التطور الكتابي؛ هناك من يحتاج عمرا كاملا ليتطور، وهناك من يتطور من ديوان إلى ديوان، وهناك من يتطور من نص إلى نص، وهناك من يتطور من جملة شعرية إلى جملة أخرى، وهناك من يتطور في أقل من ذلك !! ومن نراه اليوم "رديئا" قد يصير غدا حسب مستوى اجتهاده جميلا؛ لهذا فحتى كلمة "رديء" يمكن التحفظ عليها.. وهي ليست حكما مطلقا..
إن داخل كل شكل إبداعي درجات من التفوق الكتابي؛ وليس لي أن أحجر على حق أحد -إن بصفة أكاديمية أو بصفة إبداعية- في التعبير عن نفسه.. ولكن من حقنا جميعا بكل حساسياتنا، ومن حق الشعر علينا، أن نكون أهلا لكتابته وأن نحميه بجمالنا من الأيديولوجية والمحسوبية التي تطعنه في القلب.
أعتز بصداقة "زكرياء الزاير" وهو شاعر نثري أهداني ديوانه الأول "خدعة الأسماء" منذ زمن، ووجدت فيه الكثير من الشعر الذي لم أجده عند كثير من العموديين؛ وأعتز بما قرأته من بعيد لشعراء نثريين آخرين..
وأقول لكم جميعا: لا فرق بين نثري ولا تفعيلي ولا عمودي إلا بالجمال، إن أكرمكم عند الشعر أجملكم !

كتابة تعليق

ضع تعليقك هنا

أحدث أقدم