اقرا ايضا
مركز
روافد يحتفى بالمفكر الدكتور عبد المجيد الصغير بندوة دولية
تقرير ومتابعة: الحسين حران
يتأكد للباحثين يوما بعد يوم طابع الخصوصية الثقافية لمفكري الغرب
الإسلامي، خصوصية قاربها بعض رواد الفكر المغربي المعاصر من منظور إبستيمي فخرج
بمقولة "القطيعة المعرفية بين المشرق والغرب الإسلامي"، وروج البعض – من
هؤلاء الرواد - في مشروعه الفكري لمقولة "القطيعة المنهجية" مع التراث،
والبقية منهم تدافع بقوة عن النظرة "التكاملية والوصلية بالتراث"، وفي
هذه الرؤية الأخيرة نجد معالجة للتراث ومفاهيمه، متميزة في منهجها وفي موضوعيتها،
ألا وهي "المراجعات النقدية" التي ينظر من خلالها المفكر الدكتور
عبد المجيد الصغير إلى التراث سواء في مظانه الأصلية الأصيلة، أو في شكل دراسة في
كتابات "الإصلاحية العربية المغربية".
ونظرا للوقع المعرفي والنقدي الذي بصم به المفكر الدكتور عبد المجيد الصغير
"الدراسات المغربية المعاصرة"، وبخاصة ما تعلق منها بــــ"الفلسفة
والتصوف وعلم الكلام وأصول الفقه"، أبى جمع من الباحثين من مؤسسي "مركز روافد للدراسات والأبحاث"
وغيرهم من الباحثين والمهتمين بالفكر الفلسفي والكلامي والتصوف بالغرب الإسلامي،
إلا الاحتفاء بالمفكر الدكتور عبد المجيد الصغير من خلال عقد ندوة دولية لمدارسة
فكره وتثمينه وإرساء قواعد منهجه، وهكذا عقدت الندوة يومي 21 و 22 فبراير 2018
برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة تحت عنوان:
"واقع وآفاق البحث في تاريخ الفكر بالغرب الإسلامي
مراجعات في الفلسفة والتصوف وأصول الفقه
أعمال مهداة إلى المفكر المغربي الدكتور عبد المجيد الصغير".
وقد عرفت الجلسة الأولى التي كانت برئاسة الدكتور حسان الباهي حضور السيد
كاتب الدولة في التعليم العالي، وهذه إشارة قوية دالة على اهتمام الدوائر العليا
داخل الوطن بالفكر وأربابه، فأرقى الحضارات هي التي تشيَّد على أساس المعرفة وتنمى
بإذاعة الثقافة في صفوف شرائح المجتمع كلها.
وقد حاولت الندوة على مدار يومين مدارسة مجموعة من القضايا ذات الأسئلة
الاستشكالية والمقلقة في الفكر المغربي المعاصر، من قبيل "جدلية وحدة
الوجود" في الفكر الصوفي المغربي التي توقف عندها الدكتور محمد المصباحي،
وكذا علاقة التصوف بالهوية، إضافة إلى سعة رحابة المذهب الأشعري الذي استطاع أن
يوفق ما بين "الأشعرية والتصوف السني"، وهذه القضية توقف عندها بالدرس
الدكتور عبد القادر بيطار، ولم تقف أسئلة الندوة عند هذا الحد، بل حاول الدكتور
إبراهيم بورشاشن أن يثير في مداخلته "علاقة ابن طفيل بالجنيد"، ومن
المواضيع الدقيقة في الندوة تلك التي أثارتها مداخلة الدكتور محمد البوغالي
والموسومة بــــــ"التقية في التصوف: وظائفها ومستوياتها"، وذلك من خلال
إجراء قراءة حفرية في المتن الصوفي القديم، ولا تقل عنه مداخلة الدكتور أحمد كازا
دقة وتشويقا؛ حيث رام في مداخلته الوقوف عند قضية "التجسيد والتجريد في نقد
ابن عربي لعلم الكلام". وختم اليوم الأول بمداخلة للدكتور لشقر محمد التي رام
من خلالها الوقوف على قضيتي الاتباع والاستقلال في "نقد الباطنية بين الغزالي
وابن العربي".
أما اليوم الثاني من الندوة، فكانت المداخلات منصبة كلها على مدارسة فكر
الدكتور عبد المجيد الصغير؛ حيث نظر الدكتور جمال علال البختي في المسار العلمي
لأستاذه الذي تجمعه به علاقة روحية أكثر منها "أستاذية" كما جاء في
شهادته، وهكذا توقف في مداخلته عن "الذات بين الآخر والتراث"، ثم آلت
الكلمة إلى الدكتور أحمد الفرحان الذي حاول أن يقدم قراءة مغايرة ل"المدخل
لصناعة المنطق"، متسائلا عن "غزالية" و"رشدية" ابن
طملوس، وختمت الفترة الصباحية بمداخلة الدكتور خالد زهري المعنونة ب"التوجه
النقدي في فكر عبد المجيد الصغير: شهادة نابعة من بطون مؤلفاته"؛حيث ألح على
وصف المنتوج الفكري لعبد المجيد الصغير "بالمدرسة النقدية
والمراجعاتية"، وهي مدرسة لها امتداد عريض في صفوف تلاميذ المفكر عبد المجيد
الصغير، وقبل رفع الجلسة، أخذ المفكر المحتفى به الكلمة، مصوبا ومثمنا ما جاء في
المداخلات؛ حيث أكد على أن قراءته لابن طملوس كانت متجردة من كل الوسائط، فقد
استنطق المتن بنفسه، وخلص إلى تلك النتائج التي يتبناها البعض اليوم مضربا صفحا عن
أسبقية الدكتور عبد المجيد الصغير في ذلك، أما عن قضية "غزالية" أو
"رشدية" ابن طملوس، فأكد المفكر أنه لا ينتصر إلا للحق، سواء كان مع ابن
رشد أو كان مع الغزالي، وبالتالي فالبحث في "غزالية ابن طملوس أو
رشديته" لا يفيد الفكر في شيء، مؤكدا على ذلك الدكتور أحمد الصادقي.
وقد كان الحضور في الجلسة المسائية مع المداخلات التالية: أولاها معنونة بــــ"الانتصار
لعلم الكلام ومفاهيمه في كتابات الدكتور عبد المجيد الصغير" للطالب الدكتور
الحسين حران، متتبعا بالدرس "تقييم" المفكر عبد المجيد الصغير للمواقف
من "علم الكلام" في كتابات الإصلاحية المغربية، وبخاصة في الحوار النقدي
البناء ما بين عبد الله العروي وعبد المجيد الصغير، أما المداخلة الثانية فكانت
للدكتور يوسف الكلام، وعنوانها: "إشكالية الحوار بين الأديان عند الدكتور عبد
المجيد الصغير بين العلمية والإيديولوجية"، أي كيف يرى المفكر عبد المجيد الصغير
"الحوار الديني" من خلال علم "مقارنة الأديان"، وثالث
المداخلات فكانت للدكتورة نادية الشرقاوي التي توقفت عن منهجية المفكر عبد المجيد
الصغير في مراجعته لمحاضرة بابا الفاتيكان السابق من خلال كتابه "قناعات
معرفية أم أهداف استراتيجية"، وختمت المداخلات ب:"مراجعة عبد المجيد
الصغير للتجربة الفكرية الرشدية" للدكتور عبد النبي الحري. وفي الأخير أخذ
المفكر عبد المجيد الصغير الكلمة معقبا، والبداية كانت مع تلميذه الحسين حران حيث
لاحظ عليه تهافتا في صياغة العنوان؛ فالدكتور عبد المجيد الصغير ينفي عن نفسه أن
يكون متكلما، ويحب أن يوصف بالمفكر، وبطبيعة الحال فالفكر أشمل من
"الكلام"، أما ما ورد في كلمة الدكتور عبد النبي الحري، فالمفكر عبد
المجيد الصغير لا زال على نفس الأفكار التي حكم بها على مشروع ابن رشد الفلسفي
وامتداد هذا المنهج (السلفي في التفلسف ) إلى ابن تيمية بالمشرق.
وخصصت الجلسة الختامية للإدلاء بشهادات في حق المفكر المحتفى به، وهكذا أخذ
الكلمة الدكتور عبد الحميد عشاق، مذكرا بالأخلاق العالية التي يتحلى بها المفكر
عبد المجيد الصغير، وبالفكر الرصين ودقة المنهج في تناوله للقضايا والإشكالات
المعرفية والفكرية، وتكلم آخرون منهم الدكتور خالد زهري، والدكتور جمال علال
البختى، والدكتور أحمد الصادقي الذي أعرب عن مدى سعادته وفرحته لمشاركة المفكر
الدكتور عبد المجيد الصغير هذا العرس الاحتفائي، ومعربا في الآن نفسه، عن امتنانه
لأستاذه المشرف على أطروحته للدكتوراه مؤكدا أن تقديم الدكتور عبد المجيد الصغير
للعمل أثناء الطبع كان قوة في حصوله على جائزتين.
ومسك الختام كان للمفكر عبد المجيد الصغير؛ حيث أعرب بتأثير أن ابن رشد كان
تلميذ ابن طفيل، والآن يذكر التلميذ ولا يذكر الأستاذ، ولكن ضمنيا فهو حاضر في كل
ذكر للتلميذ، معنى كلامه أنه قدم معالم فكرية ومنهجية لمشروعه الفكري، وعلى
تلاميذه أن يتبنوه كأساس للبناء والتشييد، وفي الأخير تم تسليم الدرع للمحتفى به،
وأخذت صور جماعية للمشاركين والحضور.
إرسال تعليق
ضع تعليقك هنا