اقرا ايضا



تخصص دورية "عمران" الفصلية  المحكّمة المتخصّصة في العلوم الاجتماعية التي يصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عددًا خاصا لموضوع: "راهن القبيلة في العالم العربي: الإرث المعرفي والتصورات والاستخدامات". وتدعو المجلة الباحثين المختصين والمهتمين بالموضوع للمساهمة في مناقشة جوانب الموضوع المختلفة، وذلك ضمن المدى البحثي والإطار الإشكالي المحدد في الورقة المرجعية التالية:


راهن القبيلة في العالم العربي: 

الإرث المعرفي والتصورات والاستخدامات

ورقة مرجعية:

منذ أن انخرط العالم العربي بمكوناته الاجتماعية التاريخية المتنوعة في سياقات العصر الحديث، وخصوصًا بداية من القرن التاسع عشر، استقرت في قلْب مجال الأدبيات السوسيولوجية، والأنثروبولوجية، والسياسية الخاصة به، جملة من الإشكاليات العملية والمعرفية، تجمعت ضمن عنوان غامض اسمه "القبيلة".
من الناحية التاريخية، ليست القبيلة، بوصفها ثقافةً وفكرةً ووحدةَ تصنيفٍ وانتماءٍ وفعلٍ، شيئًا جديدًا تجلَّى عندنا بدخول العالم العربي في عصر الحداثة بمعناه الواسع. وليس العالم العربي وحده من حمل في نسيجه التاريخي عنصر القبيلة بالمعنى الشائع للفكرة. ولم يتفرّد مجاله المعرفي بالتحقيق والبحث في هذه المسألة. لكنّ العلاقة عندنا بين العصر الحديث والقبيلة مميزة، وتطوراتها المعاصرة أكثر إثارةً، بخاصة إذا نظرنا إليها من زاوية الأحداث الجارية حاليًّا في عالمنا العربي، بناءً على الإرث السياسي والمعرفي الذي تطور بشأنها – بشقيه الداخلي والخارجي - وكذلك الاستخدامات الراهنة للانتماءات والتصورات المتعلقة بها.
وموضوع القبيلة ليس موضوعًا عاديًّا في العالم العربي، إذ إنّه يتحوّل في كل منعطف تاريخي حاسم إلى ما يشبه الشبح، نَخَال أنه موجود ولا نجد ما نستدلُّ به على وجوده الموضوعي، ونطرده من مخيلتنا فيجزم بعضنا أنه رآه متلبسًا بالأحداث متواريًا في ثناياها.
والواقع أنّ الموضوع لا يُطرح انطلاقًا من الزوايا نفسها في مختلف أرجاء العالم العربي، وذلك لأسباب تاريخية معروفة تتعلق بتاريخ تشكُّل الدولة الحديثة هنا وهناك، وبعلاقة النُخب السياسية الجديدة بالمجتمع القَبلي، وبالاستخدامات السياسية لروابط القرابة ولفكرة القبيلة، وبالإرث الاستعماري المعرفي في هذا المجال، وبنمط التحولات الاجتماعية التي عرفتها بلداننا بعد الاستقلال. وفي الحصيلة العامة، تحكَّمَ في النقاش المعرفي المختص بشأن هذه المسألة مدخلان نظريان رئيسان:
أمّا المدخل الأول، فهو وضعي، وهو يَعُدُّ القبيلة في حُكم الشيء الخارجي الذي يمكن مقاربته، وتعرُّفه، وتحليله، وتصنيف مكوناته إلى حدّ استخدامها برؤية اجتماعية هندسية. وقد تولدت من هذه المقاربة أشهر نظرية أنثروبولوجية سادت فترة طويلةً نسبيًّا في دراسة المكونات المجتمعية للعالم العربي، وهي النظرية الانقسامية (مونطاني، وبريتشارد، وغلنير.. إلخ). وقد كان هذا مسار أصحاب الإرث الدوركايمي، وإلى حدٍّ ما الماركسي، ثمّ ورثته منهم أقسام كبيرة من الباحثين المحليين والأجانب، على الرغم من بوادر الشك في نتائج هذه المقاربة التي انطلقت منذ خمسينيات القرن العشرين (جاك بيرك).
وإنّ الشك لم يأتِ في هذا السياق من جهة أنّ الرابطة القرابية، ونمط الانتشار في الفضاء، والمبدأ الانقسامي الذي نُسب إلى القبيلة، عناصر تُشكِّل في الواقع أيديولوجيَا أكثر من كونها تجسِّد وقائع إمبيريقيةً ومبادئ تُحدّد سلوك الأفراد في كل الأوضاع فحسب، بل من جهة وحدة القبيلة، وتجانسها، وقدرتها على القيام بوظائف متناسقة وفعالة أيضًا؛ ما يسمح بالتعامل معها تحليليًّا كوحدة تفسيرية تُعدُّ فكرةً لا تاريخيةً.
وأمّا المدخل الثاني، فقد جاء نقضًا للمقاربة الأولى، عادًّا أنّ القبيلة ظاهرة ثقافية ليست لها تجسدات موضوعية يمكن تشييئها بسهولة وفق المبدأ الوضعي السببي، وأنّ الانتماء إليها سياقي، ذو معانٍ متعددة، وأنّ مرتكزاتها التي تتحدث عنها المقاربة الوضعية هي في الحقيقة تركيبية، وتخضع باستمرار لتأويل الفاعلين فيها من الداخل ومن الخارج (غيرتز، وإيكلمان.. إلخ). ومن ثمّة أعادت هذه المقاربة للأفراد الذين ألغتهم المقاربة الوضعية - الوظيفية بعض الأهميّة، ولو أنّ الصندوق الأسود للقبيلة لم يُفتح تمامًا؛ لأنّ سرّ المعايير الثقافية المرجعية شبه الثابتة التي يعود إليها الأفراد في سياقات مختلفة لممارسة عملية تأويل الانتماء القَبلي بقيَ غامضًا.
لكنّ الموضوع كما ستطرحه مجلة "عمران" لن يُحصر في مناقشة الإرث المعرفي الذي تراكم حول الموضوع من زاوية المفهوم في حدّ ذاته، كما اشتغلت به المقاربتان الوضعية والتأويلية، لأنّ مناقشة المفهوم باستقلال عن الديناميّة التاريخية التي تعيشها مجتمعاتنا منذ نصف قرن على الأقل ربما لا تفضي إلى شيء مبتكر. لذلك فإنّ سؤال القبيلة الذي سنضعه من جديد على طاولة النقاش، سيتطرق بالخصوص إلى القيمة المعرفية للمفهوم خلال دراسة القضايا المتشابكة التي تطرحها اليوم مجتمعات العالم العربي في فورة تحولاتها، وإلى الاستخدامات المتعددة التي يخضع لها في هذا السياق.
وحتى نكون واضحين قدر المستطاع، بشأن الهاجس المعرفي الذي يقودنا، يمكننا أن نطرح الأسئلة التالية مقدمةً لإثارة النقاش. فمن الناحية المعرفية، أكان الاستخدام الواسع لمفهوم القبيلة من الأدبيات السوسيولوجية والأنثروبولوجية الخاصة بالعالم العربي - ماضيًا وحاضرًا - ضرورةً منهجيةً أم أنّه يوجد "هابتوس" ثقافي - معرفي وراء هذه الظاهرة؟ بكلمات أخرى هل في إمكاننا - على سبيل المثال - أن ندرس، اليوم، الدولة في الخليج العربي، أو في ليبيا، من دون الحاجة إلى مفهوم القبيلة؟ هل نحتاج إلى هذا المفهوم في دراسة أحداث ما يسمى "الربيع العربي"، أو ما يحدث اليوم في العراق وسورية واليمن؟ إنْ سلّمنا بالوجود التاريخي الوضعي للقبيلة، وبأنّ التحولات الاجتماعية، والاقتصادية، والحضرية الضخمة التي حدثت في بلداننا منذ أكثر من قرن من الزمن، غيرت شروط الانتماءات التقليدية وآفاقها الثقافية القَبلية، فهل يمكن أن نواصل التفكير في هذا المفهوم من خلال مضمونه التقليدي المفترض؟ وإنْ تعذّر ذلك، فما هي شروط التخلي عنه؟ وفي أيّ اتجاه يمكن إعادة صوغ مضمونه؟
في سبيل مناقشة كل هذه المسائل وغيرها، تسعى مجلة "عُمران" لتخصيص عدد من أعدادها المقبلة لهذا الموضوع لتفحُّصِه من جديد، والتحقيق فيه من كل الوجوه؛ بحثًا عن الإضافات الأصيلة. وترحب المجلة كثيرًا بمساهمات الباحثين، وبالدراسات المقارنة.

المحاور المقترحة
  • القبيلة في الدراسات العالمية الراهنة
  • حصيلة أدبيات القبيلة خلال العشر سنوات الأخيرة في العالم العربي
  • السياسات الاستعمارية والقبيلة
  • سياسات التحديث الوطنية والقبيلة
  • الاستخدامات الاجتماعية والسياسية للهويات القبلية
  • القبيلة والفرد والمجتمع المدني
  • القبيلة في الفضاء الحضري
  • المثقفون والقبيلة
  • القبيلة والأحزاب السياسية
  • القبيلة والعرق والمذهب
  • القبيلة وحدود الدولة الوطنية
  • القبيلة وشبكات التواصل الاجتماعي
  • القبيلة في أحداث "الربيع العربي"
التاريخ النهائي لإرسال ملخصات البحوث: 31/ 5/ 2015
التاريخ النهائي لإرسال البحوث كاملةً: 30/ 9/ 2015
تُرسل مقترحات البحوث وكل المراسلات على العنوان الإلكتروني: [email protected]

Previous Post Next Post