اقرا ايضا
عيد الأضحى .. إحياء لسنة سيدنا إبراهيم
للمسلمين مناسبات كثيرة لعل أكبرها من حيث الشهرة والاحتفال -عيد الأضحى- الذي يوافق العاشر من شهر ذي الحجة بعد انتهاءالحجاج من الوقوف بعرفة. ويشكل هذا العيد المبارك فرصة لإحياء سُنة نبينا إبراهيم عليه السلام والتأمل في دلالاتها المادية والرمزية العميقة القائمة على الصدق والتقوى، والامتثال لأمر الله والخضوع له سبحانه وتعالى. كما يُعد مناسبة للفرح والابتهاج بأيام الله، ووسيلة للابتعاد عن هموم الدنيا ومشاغلها، ومتطلبات الحياة ومشاكلها. فقد روى أحمد وأبو داوود والنسائي عن أنس رضي الله عنه قال: قدم النبي ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية فقال: (قدمت عليكم، ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم النحر ويوم الفطر).
حُكم الأضحية
يرى جمهور العلماء أن الأضحية سُنَّة مؤكدة للقادر عليها وليست بواجبة كما ينادي بذلك قلة من أهل العلم. وسبب ترجيح كونها سنة مؤكدة، ثبوت تضحية النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه وعمن لم يضح من أمته، واستعماله لعبارة (أراد) الدالة على عدم الوجوب في الحديث الذي روته أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمسّ من شعره وبشره شيئًا). ومما يؤكد هذا الطرح ثبوت امتناع كل من أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- عن التضحية مخافة اقتداء الفقراء بهما.
شروط الأضحية
للأضحية شروط ستة لا تصح إلا بها، أولها أن تكون من بهيمة الأنعام أي من الإبل أو البقر أو الغنم مصداقا لقوله تعالى في سورة الحج: {ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}. وثانيها أن تبلغ أو تفوق السن المحددة شرعاً وهي ستة أشهر في الضأن، و سنة في المعز والغنم، وسنتين في البقر، وخمس سنوات في الإبل. وثالثها أن تكون خالية من العيوب التالية وهي العور البين، والمرض البين، والعرج البين، والهزال المزيل للمخ. ورابعها أن تكون ملكاً للمضحي غير مسروقة ولا مغصوبة. وخامسها أن لا يكون فيها حق للغير أو نصيب. وسادسها أن يضحي بها في الوقت المحدد شرعاً.
وقت الأضحية
يبتدئ الوقت الشرعي الذي يصح فيه ذبح الأضحية من بعد صلاة عيد الأضحى إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة الذي هو آخر أيام التشريق. ومن ذبح قبل صلاة العيد فلا أضحية له، وعليه تعويض ذلك بأضحية أخرى، فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح). ويرى أهل العلم أن أفضل أوقات الذبح والنحر يكون بعد الصلاة مباشرة وقبل الانشغال باستقبال الضيوف وتبادل التهاني. لكن ذلك لا يمنع جواز ذبح الأضحية في أي وقت آخر ليلاً أو نهاراً دون تجاوز الوقت الشرعي، ويستحسن لمن كان ساكنا في الجبال والقفار ولا إمام له، أن يذبح وينحر وقت الضحى.
على من تجب الأضحية؟
يرى جمهور العلماء أن الأضحية ليست واجبة في الأصل وإنما سنة مؤكدة، ويشترط في المضحي أن يكون ثمن الأضحية فائضا عن حاجاته وكفايته، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي صححه ابن ماجه: (من كان له سَعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا). ولا يوجد فرق في وجوب الأضحية بين الرجل والمرأة، حيث يمكن للرجل أن يضحي عن نفسه وأسرته وأهله، كما يمكن للمرأة التي تعيش وحدها أن تضحي عن نفسها وأولادها وأهلها إذا توفرت لها القدرة المادية وكان في استطاعتها شراء الأضحية.
شروط نحر الأضحية
لكي تصح الأضحية لا بد من توفر بعض الشروط في المذكي (الشخص الذي يذبحها) أولها أن يكون عاقلاً مميزاً، فلا يحل ما نحره المجنون أو الصغير وغيرهما. وثانيها أن يكون المذكي مسلماً أو كتابياً من اليهود أو النصارى. وثالثها أن ينوي التذكية لقوله تعالى: "إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ". ورابعها أن لا يكون الذبح لغير الله. وخامسها أن لا يسمي عليها اسما غير الله، حيث يجب عليه أن يذكر اسم الله تعالى على الأضحية فيقول عند الذبح باسم الله عوض باسم النبي أو باسم جبريل وغيرهما. وسادسها أن تكون الذكاة بآلة حادة من حديد أو حجر أو زجاج أو غيرها. وسابعها أن يجري الدم بغزارة أثناء عملية الذبح.
آداب نحر الأضحية
لنحر الأضحية آداب ينبغي على المسلم مراعاتها من باب الرفق بالحيوان والإحسان لمخلوقات الله تعالى فإن فعل كان أولى وإن لم يفعل لم تحرم الأضحية. ومن هذه الآداب استقبال القبلة بالأضحية عند نحرها، تمرير السكين أو الآلة الحادة المستعملة في الذبح بقوة وسرعة تخفيفا لألم الأضحية. وستر آلة الذبح عن البهيمة ما أمكن ذلك، وتجنب ذبح بهيمة أمام بهيمة أخرى لمن يمتلك أكثر من أضحية، والتكبير والتسمية عند الذبح، وسؤال الله حسن الأجر وجزاء القبول قبل وبعد عملية نحر الأضحية.
عن كم تجزئ الأضحية؟
يجوز لرب الأسرة أن يضحي عن أهل بيته مهما بلغ عددهم دون أن ينقص ذلك شيئا من ثوابه وثوابهم. فقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك عن آل بيته وأمته، وهو ما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم فلم يذبح أحد منهم ومن آل بيته واكتفوا بأضحية النبي وقوله أثناء الذبح (هذا عن محمد وآله)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية). ويمكن لعدة أشخاص اقتسام أضحية العيد من الإبل والبقر، حيث ورد في بعض الروايات أنّ الإبل تجزئ عن عشرة أشخاص، والبقر تجزئ عن سبعة أشخاص.
فضل الأضحية
من فضائل الأضحية أنها وسيلة لتحقيق التقوى لقوله تعالى في سورة الحج: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم}. كما أنها وسيلة لكسب الأجر ونيل الحسنات من خلال التصدق بجزء منها على الفقراء والمحتاجين. ومن فضائلها كذلك أن لإهراق دمها مكانة خاصة عند الله تعالى. فقد ورد في الحديث الصحيح الرسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفسا). ومن فضائلها أيضا أن الله تعالى يغفر للمضحي ذنوبه عند أول قطرة من دم الأضحية. وهي فوق هذا وذاك إحياء لسنة سيدنا إبراهيم وسنة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
Post a Comment
ضع تعليقك هنا