اقرا ايضا
المُنجَز اللغوي لتلميذ المدرسة المغربية: دراسة ميدانية للتعثرات بجهة مراكش-آسفي
إعداد: ذ. هشام فتح
كلية اللغة العربية- مراكش
تنطلق هذه الدراسة التي استغرقت ثلاث سنوات، من سؤال عميق تلخص في: ما الذي يجري داخل الملكة اللغوية للتلميذ المغربي الراهن؟ هذه الملكة التي بدا عليها بعض التشويش وهذا التلميذ الذي أصبح منجزُه الإنشائي محل استغراب مريب ومظنة للتهكم والتنكيت، وسببا في إدانة المنظومة التعليمية والحكم عليها غيابيا بالفشل والإخفاق.
لقد فرض علينا منطق السؤال أعلاه في هذه المرحلة تشخيص الواقع ميدانيا عن طريق رصد ووصف ومحاولة تفسير رجع صدى ملكة التلميذ من خلال منتَجه الإنشائي، معتقدين ألا سبيل إلى استبطانها إلا بواسطة اللغة باعتبارها انعكاسا للتمثلات ما ظهر منها وما بطن. من أجل ذلك قيّضنا لهذه المهمة فريق عمل يتألف من طلبة-أساتذة باحثين اجتمع فيهم ما تفرق في غيرهم؛ اجتمعت فيهم الجدية المعرفية والانضباط الأخلاقي فضلا عن توزعهم الجغرافي في مناطق عملهم ومَقَر سكناهم، فكانت هذه الشروط من الأسباب التي يسَّرت علينا مهام الإشراف والتأطير والمتابعة.
أما عن مراحل إنجاز هذا العمل، فقد تَم البدء بتجميع عينات المتن المدروس حددناها عددا ،دون موضوعها، في مائتين همّت فئة تلاميذ المستوى السادس ابتدائي لجهة مراكش تانسيفت الحوز، ثم جَردْنا التعثرات الواردة في المتن وفيّأناها حسب نوعيتها داخل شبكة فردية صمّمناها لهذا الغرض، يسّرت علينا عمليةَ تحويل معطياتها إلى جداول إحصائية ومبيانات دالة أفردناها لكل مكون من مكونات الدراسة(إملاء وصرفا ومعجما وتركيبا وعلامات ترقيم).
بالموازاة مع خطوات التجميع والرصد والتصنيف، انكب فريق العمل على قراءة المتاح من الدراسات السابقة الأقرب إلى اهتماماتنا، رغبة في الاستفادة دون التناسخ.
آلت بنا هذه الخطوات مضمومة إلى مرحلتي الوصف والتفسير، وقد كان الطمع الكبير يحذونا نحو بلوغ أشواط متقدمة في مرحلة تقديم بعض الآليات لمعالجة التعثرات. من أجل ذلك عقد فريق العمل يوما دراسيا حول الموضوع ذاته، حُددت له ثلاث مقاربات (تربوية ونفسية-اجتماعية ولسانية) تدخّل فيها أساتذة باحثون ومهتمون من مختلف ربوع المملكة، إلا أن نتائج اليوم لم تكن كما توقعنا على مستوى ما رسمنا له من أهداف؛ إذ انصب النقاش حول منشأ التعثرات التي يتحمل فيها الكتاب المدرسي أوزارها بينما ظلت آليات المعالجة كالمعلَّقة.
ولتدارك هذه الفجوة سعى فريق العمل إلى محاولة إشراك العاملين بالقطاع التعليمي الابتدائي بالجهة: أساتذة ومؤطرين ومفتشين، حيث وُزعت ثلاثون استمارة لاستبانة مقترحاتهم حول سبل معالجة التعثرات المرصودة، فلم تخرج حصيلتها هي الأخرى عمّا أُنشئ في اليوم الدراسي.
يستهدف هذا البوح الصدعَ بحقيقتين:
– إحداهما أن هذا العمل يعي تمام الوعي حدود اشتغاله ومناطقَ الظل فيه التي تستدعي بالضرورة تضافر شركاءَ مندمجين.
– وأما الحقيقة الأخرى؛ فتتكشَّف لنا من خلال “انعزال” الجامعة بمختلف تخصصاتها عن مواكبة هموم الواقع، وعلى الخصوص الهموم اللغوية للمتكلم الراهن الذي أُفقر متخيلُه وتلاشت رؤيته للعالم واستُبعد لغويا حتى صار مثل الذي انسلخ عن مشيته ولم يتعلّم مِشية الآخر.
من أجل فك العزلة عن الجامعة وتجسير علاقتها بالشركاء المعنيين تبعا لدرجة القرب والانشغال، يأتي السياق الثاني لتحبير هذا المُنجَز بعد سياق السؤال المذكور أعلاه. وحسبنا في هذه المحاولة أنها رفأت عند هذه الحدود التي نخالها تقدم إضافة نوعية إلى جانب المحاولات الأخرى.
Post a Comment
ضع تعليقك هنا