اقرا ايضا

قوانين الأحوال الشخصية في الوطن العربي
بين المرجعيات الدينية ومتطلبات العصر



   يلعب قانون الأحوال الشخصية- أو قانون الأسرة الإسلامي- دورا مهمًا وشديد الخطورة في تحديد العلاقات الاجتماعية في البلدان العربية؛ باعتباره القانون الأشد صلة بالحياة اليومية للمواطنين والأكثر اقترابا وتأثيرا في الوحدة الأساسية للمجتمع، أي الأسرة، فهو الذي يحكم شئون الأسرة المسلمة والعلاقة بين أطرافها، ويحدد حقوق وواجبات كل من أفرادها وعلاقاتهم ،كما يضبط أمور الزواج والطلاق ورعاية الأطفال والأمور النفسية والمالية الناتجة عن الطلاق. ومن ناحية أخرى، فإن قانون الأحوال الشخصية هو الذي يكشف عن وضع المرأة في التراتبية الاجتماعية- وهي أوضاع شديدة الحساسية- ويؤشر على مبادئ حقوق الإنسان المتعلقة بها والتي تطبق في تشريعات المجتمعات العربية. 
    وعلى الرغم من أن كل البلدان العربية الإسلامية أخذت بنفس المقاربات في تبني قانون الأحوال الشخصية المستمد من الفقه الإسلامي، إلا أن كل بلد عربي مسلم كان له خصائصه وتوجهاته في ذلك، مما أدى إلى وجود تباينات هامة بين قواعد الفقه التي اتبعت، وآراء المشرعين وتفسيرات النصوص المطبقة في قوانين الأحوال الشخصية المتبناة من جانب كل بلد على حده.
    أبدت قوانين الأسرة المستندة إلى الشريعة الإسلامية ممانعة شديدة لعملية علمنة القوانين سواء في فترة الاستعمار أو ما تلاها من فترات تحت حكم الدولة الوطنية؛ مبرهنة بذلك على طبيعة عنيدة، فهي تأتى في الغالب من قلب المجتمع، وتتسق مع منظومة القيم الدينية والثقافية السائدة؛ لذا فمن الصعوبة بمكان فرضها من خارج النظام الاجتماعي؛ حيث ستجد بالضرورة مقاومة شرسة إن لم تتماهى مع ما هو سائد من أعراف وتقاليد.
    ليس من مهام هذه الدراسة تفسير الأسباب التي أدت إلى تلك المقاومة، لكن من الضروري ملاحظة أن الحكومات المتعاقبة كانت شديدة الحذر في محاولاتها تعديل قوانين الأحوال الشخصية القائمة؛ وذلك في محاولة لتلافي الصدام مع نمط التدين السائد في المجتمع، أو مع هيمنة أيديولوجيا الذكورة داخل الطبقة الوسطى التي من المفترض أن تقود عملية التحديث في المجتمع. وعليه فإن قوانين الأحوال الشخصية تُعد من أهم محاور النظام التشريعي، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، على الصعيد الاجتماعي/الاقتصادي؛ لما تتميز به من تأثير يصل إلى شتى البنى الاجتماعية والاقتصادية، حيث تساهم إلى حد كبير في تشكيل صور العلاقات الاجتماعية، بما لها من طبيعة تتجذر في شتى سياقات البناء التحتي للمجتمع.
 تشكل قوانين الأحوال الشخصية في المنطقة العربية
ظهرت الأفكار الداعية إلى مراجعة الأحكام المنظمة للأحوال الشخصية أو الأسرة منذ بداية القرن الماضي، غير أن مسائل الأحوال الشخصية بقيت من دون تدوين حتى 1917م، إلى أن أصدرت الدولة العثمانية قانوناً لأحكام الزواج والفرقة للمسلمين والمسيحيين والموسويين،كل بحسب شرائعهم وتقاليدهم، وأسمته "قانون حقوق العائلة"، وذكرت في أسبابه الموجبة ضرورة إلغاء المحاكم الروحية التي لا تخضع لرقابة الدولة، وضرورة تدوين أحكام العائلة على أسس ثابتة وفقاً لتقاليد الطوائف المختلفة. وتتابع بعد ذلك صدور مدونات الأحوال الشخصية في كثير من الدول الإسلامية مع تعديلات متتالية لبعض موادها، يتفاوت مضمونها من مدونة إلى أخرى.
ولعل أول من استعمل هذا المصطلح في الفقه العربي الإسلامي في مطلع القرن العشرين العلامة المصري محمد قدري باشا، عندما ألف كتابه "الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية"، وهو كتاب صنفه في مواد قانونية بلغت 647 مادة أخذها كلها من القول الراجح في مذهب الإمام أبي حنيفة من دون غيره، تلبية لحاجات القضاء الشرعي الإسلامي في مصر الذي يعتمد هذا المذهب في أحكامه على المصريين المسلمين، ثم شاع هذا الكتاب وانتشر في أكثر الأقطار العربية والإسلامية ومنها القطر العربي السوري، واعتمده القضاة في أقضيتهم وإن لم يصدر به قانون ملزم، كما شاع هذا المصطلح بين الفقهاء والقانونيين.
جاءت تلك التحولات في التناول الفقهي للأحوال الشخصية في سياق دعوات التجديد والاجتهاد الفقهي التي ظهرت في العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كالدعوة السنوسية في وهران بالجزائر، ومؤسسها الإمام  مُحَمد بن علي السنوسي الكبير الخطابي، وما تزامن معها من بروز زعماء آخرون قادوا الحركة الإسلامية التجديدية، وفي طليعتهم الشيخ جمال الدين الأفغاني، ثُم تلميذه الشيخ مُحَمد عبده مفتي الديار المصرية (المتوفى سنة 1323 ه/ 1905 م) الذي سار على منهج شيخه الأفغاني في محاربة التقليد، وإعمال العقل ونهضة المسلمين، ثم فيلسوف الإسلام المفكر والشاعر محمد إقبال في إقليم البنجاب بالهند الذي ألقى عام 1928 في مِدْراس وحيدر آباد وعُليكرة سبع محاضرات حول إعادة بناء التفكير الديني في الإسلام ترجمت في كتاب(تجديد الفكر الديني في الإسلام).
وتعد هذه الفترة بمثابة جذور في نشر الدعوة إلى الاجتهاد، وظهور إرهاصات الحاجة إليه، وإحياء معالم التجديد وإذكاء روح الاجتهاد المعاصر. وأسهم الفقيه القانوني الأستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري في كتابه (الوسيط)،  وكتابه (مصادر الحق) في تشجيع رجال القانون على الموازنة بين الفقه الإسلامي والأحكام والنظريات القانونية، ووجدت مقارباتهم قبولاً واضحاً لدى فقهاء الشريعة. ومن جانب آخر ظهرت في الساحة العلمية مؤلفات تعنى بدراسة النظريات الفقهية على غرار النظريات القانونية، مثل: نظرية البطلان والقابلية للإبطال، ونظرية التعسف في استعمال الْحَقّ، والدفاع الشرعي، ونظرية الضمان والضرورة والفسخ، والأهلية، والنيابة الشرعية، والولاية وغيرها.
من هنا استندت قوانين الأحوال الشخصية في البلدان العربية على مشاريع فقهية تجديدية حاولت، بدرجات مختلفة، مراعاة المستجدات الاجتماعية والاقتصادية ومتطلبات الحداثة العربية. واعتمدت تلك المشاريع الفقهية على اجتهادات مجموعة من علماء الشريعة من بينهم الشيخ مصطفى المراغي، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ عبد الوهاب خلاف، والشيخ علي الخفيف، والشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ مصطفى أحمد الزرقا، وغيرهم الكثير من رجال الدين ورجال القانون المستنيرين.
لذا فقد جاءت قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية المعمول بها في البلدان العربية نتيجة موازنات تشريعية بين المرجعية الدينية الفقهية وبين المرجعيات القانونية الوضعية الحديثة، ولم تكن تلك الموازنات فقهية أو أكاديمية صرف، بل كانت تحدث دائما في سياقات سياسية واجتماعية شديدة التعقيد، فتتابع صدور قوانين وتشريعات عربية كثيرة بهذا الاسم أيضاً منها:"قانون الأحوال الشخصية السوري" الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 تاريخ 17/9/1953 والمعدل بالقانون رقم 34 تاريخ 31/12/1975م وقانون "الأحوال الشخصية الأردني" الصادر بالقانون رقم 61 تاريخ 5/9/1976م وغيرهما.
ففي مصر:صدرت عدة قوانين متفرقة، عام1920، وعام1929، وعام1946،منها قانون المواريث، وقانون الولاية على المال، وقانون الوقف رقم 48 لعام 1946، ثم صدر القانون رقم180 لسنة1952بإلغاء الوقف الأهلي، وأدخلت عليه بعض التعديلات الهامة بالقانون رقم 100 لعام 1985، والقانون رقم 1 لعام 2000 الذي أدخل التعديلات الخاصة بالخلع.
وفي العراق: أصدر النظام الجمهوري عام1959قانوناً للأحوال الشخصية، ثم عدل بالقانون رقم (11) عام1963م، وهو مستقى من جميع المذاهب الفقهية، وفي فبراير 2013 أقر مجلس الوزراء العراقي قانوناً جديداً للأحوال الشخصية على المذهب الجعفري، لكنه لازال يثير اتهامات بالطائفية وعدم مراعاة التنوع داخل المجتمع العراقي.
وفي الأردن: صدر قانون حقوق العائلة عام1951الذي حل محل قانون العائلة العثماني،  وهو يشبه في الجملة القانون السوري، ثم صدر عام 1976قانون الأحوال الشخصية رقم 61 والذي حل محله مؤخراً القانون الجديد رقم 36 لعام 2010.
وفي سوريا: صدر قانون الأحوال الشخصية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 بتاريخ 7/9/1953 وتم تعديل القانون في 1975، ثم 2004.
وفي ليبيا: يُعمل بالقانون رقم (10) لسنة 1984 بشأن الأحكام الخاصة بالزواج والطلاق وآثارهم، وبشأن الميراث يُعمل بقانون عام 1947، وأصدرت بعض التعديلات منفردة في عام 2013.
وفي السودان: يُعمل بالراجح من مذهب الإمام أبي حنيفة، إلا في المسائل التي تصدر بها منشورات شرعية من قاضي القضاة تأخذ بغير الراجح في المذهب الحنفي من المذاهب الأخرى، ثم نسخت بقانون الأحوال الشخصية للمسلمين لسنة 1991م.
وفي لبنان: لا يزال قانون حقوق العائلة العثماني الصادر عام 1917هو المطبق على المسلمين، ومعظمه من الفقه الحنفي، ويُتاح لكل طائفة أن تحكم في أمور الأحوال الشخصية بتشريعها الديني الخاص.
وفي المملكة العربية السعودية: يطبق المذهب الحنبلي وفق الراجح في المؤلفات الفقهية المعروفة المعتمدة، مثل كشاف القناع وغاية المنتهى، وعلماؤهم يمنعون التقنين.
وفي اليمن: أُصدر قرار مجلس النواب رقم ( 17 - 5) لسنة 1996م بالموافقة على القرار الجمهوري بالقانون رقم (20) لسنة 1992م بشأن الأحوال الشخصية والمعدل بــالقانون رقم (27) لسنة 1998م والقانون رقم (24) لسنة 1999م والقانون رقم (34) لسنة 2003م. يعمل بالمذهب الزيدي.
وفي سلطنة عُمان: صدر قانون الأحوال الشخصية في سلطنة عمان بمرسوم سلطاني رقم 32/97 بتاريخ 4 يونيو 1997 ويعمل بالراجح من المذهب الإباضي.
وفي الكويت: صدر قانون للأحوال الشخصية عام1983يشتمل على157مادة، وهو مستمد من مختلف المذاهب الفقهية من دون تقيد بمذهب معين وأدخل عليه تعديلات قانون رقم (66) لسنة 2007 بإضافة مواد جديدة إلى القانون رقم (51) لسنة 1984 في شأن الأحوال الشخصية.
وفي قطر: صدر قانون الأسرة ( 22 / 2006 ) وقانون 21/1989 تنظيم الزواج من الأجانب وقانون الولاية على أموال القاصرين 40/2004، وصدرت الموافقة الرسمية من مجلس الشورى 2014م على قانون إجراءات التقاضي في مسائل الأسرة، ويُعمل فيه بالمذهب الحنبلي .
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة: أعد مشروع القانون الاتحادي لسنة 1979بإصدار قانون الأحوال الشخصية من 455مادة ثُم عدل، وقد صدر أخيراً بالقانون 28 لعام 2005.
وفي المغرب العربي (تونس- الجزائر- المغرب): تفاوتت مسارات قوانين الأحوال الشخصية في بلدان المغرب العربي وفقا لطبيعة التكوينات الاجتماعية فيها، وأيضا لطبيعة أنماط التدين التي تهيمن على أبنيتها العقائدية. فعلى الرغم من أن البلدان الثلاثة تتسم بوحدة شبه مطلقة للدين والمذهب؛ حيث تصل نسبة المسلمين السُنة المالكيين في كل بلد من البلدان الثلاثة إلى أكثر من 98% من تعداد السكان، فإن التعامل مع الأقليات الصغيرة في تلك البلاد وتقنين أوضاعها يختلف من بلد إلى أخرى.
وقانون الأحوال الشخصية في كل من البلدان الثلاثة هو أحد أوجه التنازع بين القيم التقليدية وقيم الحداثة بعد سنين طويلة من الاستعمار كشفت الهوة العميقة بين الغرب الحداثي والشرق التقليدي، وكان لكل دولة من الدول الثلاثة طريقتها في توليفتها الخاصة بين الحداثة والتراث. إلا أن كل من الدول الثلاثة كانت متمسكة بأن يخرج قانون أحوالها الشخصية كدرب من دروب الاجتهاد الشرعي، ففي تونس التي شهدت أول تقنين للفقه الإسلامي في العالم في "قانون الجنايات والأحكام العرفية" الصادر سنة 1861 والذي جاء قبل "مجلة الأحكام العدلية" الشهيرة التي طبقت في أغلب الدول الإسلامية بعد ذلك، وينظر الكثيرون إلى مجلة الأحوال الشخصية التونسية، والتي كانت تحت إدارة وإشراف ثلة من علماء الشرع من أبناء جامع الزيتونة، كان من بينهم الإمام الشهير "الطاهر بن عاشور"، باعتبارها من أكثر مشاريع القوانين في العالم الإسلامي تحررًا من قيود التراث، بل ويرى البعض أن بها خروجًا واضحًا عن بعض أحكام الإسلام، مثل إباحة التبني، ومنع تعدد الزوجات، بل ومنع الطلاق
ويظهر جليًّا من نصوص المجلة أنها استخدمت مصطلحات فقهية، وأنها أقرت كثير من الرؤى الفقهية التقليدية التي لا تتعارض مع قيم الحداثة، كما يظهر أيضا مدى حرص الدولة على إبراز قانون الأحوال الشخصية على هيئة اجتهاد شرعي معاصر في المملكة المغربية بشكل خاص؛ حيث يعتبر الملك المغربي هو "أمير المؤمنين" دستوريًّا. وقد أجرى الملك تعديلات على مدونة الأحوال الشخصية المغربية، وصفت بالثورية، تركزت 11 نقطة تتعلق باقتسام مسؤولية رعاية الأسرة بين الزوج والزوجة، واعتبار الولاية حقا للمرأة، وتقييد التعدد، وتوحيد سن الزواج وسن اختيار الحاضن بالنسبة للذكر والأنثى، وحماية حق الطفل في النسب، وجعل الطلاق حلًّا لميثاق الزوجية يمارس من طرف الزوج والزوجة، وتوسيع حق المرأة في طلب التطليق، والحفاظ على حقوق الطفل بإدراج مقتضيات الاتفاقيات الدولية وضمان مصلحة الطفل في الحضانة، وإعطاء أبناء البنت الحق في الإرث من جدهم، وتبسيط إجراءات الزواج بالنسبة للمغاربة المقيمين في الخارج، وحق المرأة في الأموال المكتسبة أثناء الزواج، ولكن حرص الملك وهو يطرح هذه التعديلات أن يؤكد على أن المشروع الجديد تبنى صياغة حديثة بدل المفاهيم التي تمس كرامة وإنسانية المرأة، وجعل مسؤولية الأسرة تحت رعاية الزوجين، ولكنه في نفس الوقت أكد أنه راعى الاستجابة  للمبادئ والمرجعيات التي تقول أن الملك بصفته أميرًا للمؤمنين لا يحق له أن يحل ما حرم الله، أو يحرم ما أحله. كما تم الأخذ بمبادئ الإسلام السمحة وبوحدة المذهب المالكي والاجتهاد، وعدم اعتبار المدونة قانونًا للمرأة وحدها، بل مدونة للأسرة أبًا وأمًّا وأطفالًا.
ورغم حرص الدولة في البلدان الثلاثة على صياغة قانون أحوالها الشخصية على هيئة اجتهاد شرعي، فإن حركات الإسلام السياسي هاجمت تلك القوانين بشدة، واعتبرتها دليلا على علمانية الدولة وتفريطها في المقدسات والتراث، بالأخص في الفترات التي كانت فيها هذه الحركات بعيدة عن مقعد السلطة. وعلى الجانب الآخر لم تنجح الدول دائما في تسويق قوانينها باعتبارها اجتهادا شرعيًّا غير منبت الصلة بشريعة الأغلبية المطلقة من السكان.
    والواقع أن قوانين الأحوال الشخصية شأنها شأن أي عنصر من عناصر البنية الفوقية للمجتمع لا بد لها أن تنشأ عن ظروف موضوعية في المجتمع حتى تتسق معه وتعبر عن روحه، ومن هنا لزم البحث هل نشأت هذه القوانين عن ظروف مجتمعية واقتصادية موضوعية، أم أن هذه القوانين فُرضت من أعلى على بنية المجتمع، وهنا لزم البحث عن التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية في البلدان الثلاث، ونكتشف أيضا محاولات المجتمعات الداخلية في تلك البلاد لصياغة نظمها الخاصة لإدارة أحوالها الشخصية؛ مثل حالة وادي مزاب الإباضي بالجزائر.
إشكاليات البحث وأسئلته:
انطلاقًا مما سبق سوف يركز البحث على كافة الجوانب المتعلقة بإصدار قوانين الأحوال الشخصية، وإجراء تعديلات عليها، سواء كانت الجوانب الاجتماعية للقوانين أو الجوانب الفقهية أو السياقات السياسية التي أحاطت إصدار هذه القوانين، وذلك بغرض البحث عن إجابات لأسئلة رئيسية هي:
- كيف عكست تلك القوانين خصوصية وتحولات التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية في البلدان موضوع البحث؟
- كيف أثرت التركيبة الطائفية أو القبلية على قوانين الأحوال الشخصية في البلدان العربية؟
- كيف أثرت نظم الحكم السياسية على صياغة القوانين في تلك البلدان؟
- ما هي المقاربات الفقهية الدينية التي كانت تمثل مرجعيات دينية متنافسة عند صياغة القوانين ؟
- ما هي المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي انخرطت في صياغة القوانين أو إجراء تعديلات عليها ؟
- ما تأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على وضع القوانين؟
- ما هي قوى الضغط والضغط المضاد، اجتماعية كانت أو سياسية، التي لعبت دورا في عملية وضع القوانين أو تعديلها؟
- ما هي أشكال الرفض الشعبي أو الفقهي التي واجهتها تلك القوانين عند صدورها؟ 

هيكلية البحث ومحاور الدراسة:
المحور الأول: المحور الفقهي
قراءة في علاقة فقه الأحكام الإسلامي بتشريعات الأحوال الشخصية في البلدان العربية، وتطور آليات استخدام أصول الفقه في عمليات التقنين، منذ صدور مجلة الأحكام العدلية، مروراً بكتاب المقارنات التشريعية الذي قارن فيه رفاعة الطهطاوي الشريعة الإسلامية بكود نابليون الأول والثاني، وكتاب محمد قدري باشا وزير الحقانية والفقيه الحنفي "الأحوال الشخصية " ودليل الحيران في معرفة أحوال الإنسان و العدل والإنصاف في أحكام الأوقاف، والذي كتب القانون المصري بالفرنسية في عصر الخديوي إسماعيل، مرورا بمشروع السنهوري باشا، وانتقاداته في كتاب المقارنات التشريعية للشيخ عبد الله حسين التيدي، ومشروع الدكتور صوفي أبو طالب ، وغيرها من التأثيرات الداخلية التي أثرها الفقه الإسلامي في قوانين الأحوال الشخصية في البلدان العربية .
تقوم الدراسة التفصيلية في هذا المحور على أربعة مباحث رئيسية :
المبحث الأول: دور المجامع الفقهية المعاصرة في تقنين أحكام المذاهب الفقهية ، مثل مجمع البحوث الإسلامية والمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، مجمع الفقه الإسلامي بجده، ومجمع الفقه الإسلامي بالهند، ومجمع الفقه الإسلامي بالسودان، والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ومجمع فقهاء الشريعة في أمريكا.
المبحث الثاني: دراسة المشاريع الفقهية التجديدية التي تتعلق بقوانين الأحوال الشخصية، وبتجديدها، اعتمادا على أصول الفقه ومراعاة لاعتبارات جديدة مختلفة مثل الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والنفسية.
المبحث الثالث: مصير المذاهب الإسلامية الفقهية الأربعة الكبرى داخل قوانين الأحوال الشخصية وعلاقتها بالاجتهاد القانوني والتشريعي.
المبحث الرابع: الفكر القانوني والتشريعي لدى التيارات الإسلامية السياسية، وخاصة أفكار التيارات الإسلامية عن قانون الأحوال الشخصية.
المحور الثاني: جدل الحداثة والتقليد في صناعة القانون
لفهم سياق عملية صناعة قوانين الأحوال الشخصية، لا بد أخذ السياق الاجتماعي التاريخي الأوسع بعين الاعتبار. إن التأثير الجدلي المتبادل بين البني الاجتماعية والمنظومة القانونية يتجلى بوضوح شديد في التشريعات الخاصة بالأحوال الشخصية؛ فالمستويات الثلاثة للبنية الاجتماعية: المستوى السياسي، والمستوى الأيديولوجي، والمستوى الاقتصادي، تنعكس بوضوح في عملية التشريع ومنتجها القانوني، ويمكن اعتبار قوانين الأحوال الشخصية نتاجا جدليا لواقع تتفاعل فيه تلك المستويات، وعليه فإن هذا المحور يضم أربعة مباحث، هي:
المبحث الأول: السياق الاقتصادي الاجتماعي لتقنين وتعديل قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في البلدان العربية، وذلك بدراسة التشكيلات الاجتماعية العربية والتحولات التي حدثت لها منذ بدايات القرن العشرين.
المبحث الثاني: السياق السياسي وموازين القوى التي فرضت رؤى مختلفة في قضايا الأحوال الشخصية في المجتمعات العربية ذات المرجعية الدينية الإسلامية.
المبحث الثالث: مسألة تقنين الشريعة وعلاقتها بالفكر القانوني الحداثي، وكذلك علاقتها بالتصور الحداثي عن الجريمة والعقاب والحكم.
المبحث الرابع:الاجتهادات المعاصرة في مسائل الأحوال الشخصية وأسباب انحصارها في الفتوى، وأسباب عدم وجود زخم في الاجتهاد الفقهي المتعلق بهذه القوانين.
ويسعى هذا المحور إلى الإجابة على تساؤلات رئيسية من بينها:
-  ما هو دور الاستعمار ودولة ما بعد الاستعمار في إدارة الوضع القانوني وأحوال الطوائف الدينية في البلدان العربية؟.
- كيف شُرٍّعت قوانين الأحوال الشخصية في البلدان العربية موضع الدراسة؟
- ما هي البنود المحذوفة والمضافة إلى تلك القوانين قوانين الأحوال الشخصية العربية عبر السياق التاريخي الحديث لعملية التشريع؟ وكيف عكست تلك القوانين خصوصية وتحولات التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية في البلدان موضوع البحث؟
- كيف أثرت التركيبة الطائفية على قوانين الأحوال الشخصية في البلدان العربية؟
- كيف أثرت نظم الحكم السياسية على صياغة القوانين في تلك البلدان؟
 المحور الثالث: حقوق المرأة في قوانين الأحوال الشخصية العربية
     تشترط بعض قوانين الأحوال الشخصية العربية وجود ولي للمرأة حتى تستطيع الزواج، فعلى سبيل المثال يقرر قانون الأسرة البحريني في المادة 12 منه أن موافقة الولي شرط لصحة عقد الزواج مهما بلغ عمر المرأة. ولا يقتصر الأمر على ضرورة وجود الولي، الذي يتمتع بحق منع الزواج حتى لو كانت المرأة راغبة فيه، ولكن يمتد حقه إلى إمكانية تزويج البنت دون موافقتها، حيث تعتبر نصوص بعض هذه القوانين سكوت المرأة دليلا على موافقتها على الزواج، كما في المادة 23 من قانون الأحوال الشخصية اليمني، والمادة 9 من مدونة الأحوال الشخصية الموريتانية لعام 2001، والتي تقرر أن إذن البكر صمتها دون أن تضع احتمالا لأن يكون هذا الصمت ناتج عن الخوف وليس عن الخجل، فالأمر متروك في النهاية لأمانة الذكور الذين قد تكون لديهم رغبة أو مصلحة في عقد هذه الزيجة، خاصة لو كانت المرأة صغيرة السن كما يحدث في بعض البلدان العربية، حيث لا يحدد القانون سنًا للزواج، ويحدد البعض الآخر سنًا صغيرة تكون فيها الفتاة غير قادرة على اتخاذ قرار مصيري يتعلق بحياتها. وفي هذا السياق تقرر المادة 40 من قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في السودان، والصادر عام 1991، أن الفتاة إذا أتمت عشر سنوات تصبح مؤهلة للزواج. وقد حاولت بعض القوى السلفية في مصر بعد ثورة 25 يناير خفض سن الزواج للفتيات إلى 9 سنوات، إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك لوجود معارضة قوية من الشارع ومن المنظمات الحقوقية والقوى السياسية  ومن مؤسسات الدولة.
    لا تراعي هذه القوانين خطورة الزواج المبكر على الفتاة، خاصة وأنها تحرمها من استكمال عملية نموها الفسيولوجي والنفسي، بل وتحملها مسئوليات قد تعيقها عن استكمال تعليمها. من ناحية أخرى تتيح مثل تلك القوانين لبعض الأسر الفقيرة الاتجار بالفتيات الصغار عبر تزويجهن لرجال أثرياء يكبرونهن في العمر بمقابل مادي مغري. وقد تتعرض الفتاة الصغيرة لتكرار هذا النوع من الزيجات أكثر من مرة، فيبدو الأمر كما لو كان شكلًا من أشكال الدعارة المقننة.
     أما حق الطلاق في القوانين العربية فيكاد يكون حقًا مطلقًا للزوج. فقوانين الأحوال الشخصية في كثير من البلدان العربية لا تمنح المرأة الحق في تطليق نفسها،. ففي الجزائر ومصر يتم الطلاق بإرادة الزوج، وإن طلبته الزوجة فعليها أن تقدم أسبابًا يقبلها القاضي أو تضطر للتنازل عن حقوقها، بل تدفع أحيانا مقابلا ماديا، وذلك لاختصار أعوام طويلة من السعي في المحاكم حتى تقنع القاضي بأسبابها في طلب التطليق. ويختلف الأمر في المغرب، حيث تنص المادة المادة 78 من مدونة الأسرة على حق الزوج والزوجة في حل ميثاق الزوجية كل بحسب شروطه. وتنص المادة 89  على حق الزوجة في إيقاع الطلاق إذا ملكها الزوج ذلك، وتنص المادة  98 على حق المرأة  طلب التطليق بناءً على إخلاله بشرط من شروط العقد أو الضرر أو عدم الإنفاق أو الغيبة أو العيب أو الإيلاء والهجر).
في المنهج والأدوات:
    تحدد الدراسة أنماط المادة المطلوب جمعها في: مسودات ونصوص القوانين، وسجلات المحاكم، والمادة الخاصة بحالات فردية دالة، ومادة ميدانية يتم استيفائها من خلال مقابلات معمقة ونماذج لدراسة الحالة، ومواد متعلقة بالصراعات الدائرة داخل كواليس أجهزة صناعة القانون والقرار. وفي هذا الشأن تسعى الدراسة لتطبيق منهجيات تحليل السياقات التاريخية لنشأة القوانين وتعديلاتها، ومناهج تحليل مضمون القانون وتوجهاته، كذلك استخدام منهجيات التحليل السوسيولوجي والفقهي الديني؛ لفهم وتوثيق عملية صناعة القانون، وذلك من أجل التوصل إلى إجابات واضحة بشأن:
- متى صدر القانون؟ ومن هو واضعه؟ لكي نحدد خلفية القانون، وهل هو طلب من السلطة؟ أم لحاجة مجتمعية.
- ما هي المواد التي تم تعديلها، والمواد المعدلة؟
- ما هي الآثار المترتبة على تعديلات القوانين؟
- ما هي النصوص التي تم حذفها؟ وما سبب الحذف، وتقويم مدة العمل بها، مدى الاستفادة منها وأي الشرائح المجتمعية كان أكثر استفادة، ولماذا ألغيت؟
- ما هي المواد التي أضيفت حديثّا، وهل هناك حوادث أدت إلى تقنينها؟ أم مجرد خطوة نحو المدنية والحداثة؟
- هل يتعارض القانون مع عُرف قبلي أو عائلي أو مجتمعي، وأيهما يكون له فيصل الحكم؟
- ما هي الامتيازات المقدمة في القانون للطرفين الذكر والأنثى؟
     لن يقف البحث عند حدود الفهم التشريعي للقوانين، ولا حتى عند حدود الفقه الديني الواقف ورائها، بل يتعدى ذلك إلى الكشف عن مضمون القانون باعتباره نتاج علاقات قوة وصراع مصالح مستمر، وعليه فإن العمل الميداني يعتبر منهجًا ملائما للتعرف على مدى معرفة البشر بمصالحهم، وإدراكهم لمدى تمثل القوانين القائمة لهذه المصالح أو تجاهلها، الأمر الذي يكشف عن مدى استفادة كل طرف من أطراف البنية الأسرية من هذه القوانين، وبالتالي يمكن وضع تصور علمي عن اتجاهات التغيير الممكنة.
إن تطبيق المناهج الأنثروبولوجية بشكل خاص يسمح بفهم الجوانب غير الرسمية للعلاقات الاجتماعية المؤثرة على سياق إعداد القوانين وتفعيلها، وذلك باعتبار أن القانون هو محصلة لإيرادات تراكمية للبشر في سياقات صراعية، وأن أية تطورات تشريعية أو قانونية في مجتمع بعينه هي استجابة أو انعكاس ضروري لوجود اتجاهات لدى قطاعات معينة من المجتمع تبحث عن تحسين أوضاعها المعيشية والحقوقية، في مواجهة قطاعات أخرى يظلها القانون القائم بحمايتها.
 ولأجل الكشف عن دور النشطاء والمؤسسات الرسمية وخبراء التشريع والقضاة والمنظمات غير الحكومية فيما يتعلق بصياغة القوانين أو تعديلها، فسوف تستعين بأدوات لجمع المادة الميدانية، من بينها:
أ‌-       استبانة تطبق على عينة غرضية ممثلة يتم تطبيقها على: رجال/نساء ، مدن/ريف/بدو ، رجال قانون / رجال سياسة، جمعيات أهلية، منظمات نسائية..إلخ
ب‌-     مقابلات معمقة مع عينات مختارة ضمن العينة العامة للبحث.
 ج- أرشيف صحافة للتعرف على مواقف القوى السياسية المختلفة من القانون وتعديلاته.
د- دراسات حالة محددة.
هـ - مسح لآراء النخبة.
إن استخدام الأدوات المشار إليها يسمح لنا بالإجابة عن تساؤلات محددة:
1-     ما هي مصادر التمييز ضد المرأة التي لازالت موجودة في القانون وكيف يمكن إزالتها؟
2-      ما تأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على وعي النساء بما تتضمنه القوانين، وإلى أي مدى كانت هناك محاولات للضغط من      جانب المنظمات النسائية لتعديل القوانين المعمول بها، أو من جانب القوى الذكورية لتثبيت القوانين لصالحها؟
3-     هل يكفي لحماية المرأة أن تصدر تشريعات وتعديلات دون وجود سبل محدده لتنفيذ تلك التشريعات؟
4-    ما هي الوسائل التي تمكن المرأة من ممارسة حقوقها والتي قد تكون موجودة بالفعل في القانون؟
نطاق البحث: البلدان العربية موضوع الدراسة:
  تم اختيار البلدان موضوع الدراسة وفقا لتمثيلها مناطق جغرافية اجتماعية ضمن الخريطة العربية:
البلدان العربية شمال الصحراء: تونس- الجزائر- المغرب
بلدان الوسط والعمق الإفريقي العربية: مصر – السودان- موريتانيا
البلدان العربية في آسيا: الأردن- فلسطين- سوريا- العراق
الخليج العربي: البحرين- الامارات العربية المتحدة
المدى الزمني للبحث:
  مدة اجراء البحث في البلدان القطرية عام كامل، وتسلم الأوراق إلى الباحث الرئيس لكتابة التقرير النهائي الذي يخلص إلى أهم النتائج من خلال قراءة مقارنة لنتائج الدراسات القطرية.
البرنامج الزمني للبحث
بداية نوفمبر 2015 إطلاق المشروع البحثي على موقع المؤسسة.
15يناير 2016 آخر أجل للتوصل بملخصات البحوث.
15 يناير وحتي 15 فبراير 2016عرض الملخصات علي لجنة التحكيم والإعلان عن نتيجة التقييم
30 ديسمبر 2016آخر أجل للتوصل بالبحوث تامة ومحررة.
يناير وفبراير 2017تحكيم البحوث وإعداد التقارير التقييمية في شأنها.
مارس وأبريل 2017
يخصص للباحثين الذين يطلب منهم القيام بتعديلات علي بحوثهم 
لتكون صالحة للنشر.
شهر مايو كامل 2017
يخصص للمشرف حتي ينسق بين عناصر المشروع ومكوناته.
يونيو 2017إرسال التقرير النهائي للبحث إلى إدارة المؤسسة.
يشرف على هذا المشروع مركز دال للأبحاث والإنتاج الإعلامي التابع لمؤسسة مؤمنون بلا حدود.
لإرسال مقترحاتكم، يرجى التواصل على العناوين التالية:

[email protected]

 [email protected]


كتابة تعليق

ضع تعليقك هنا

Previous Post Next Post