اقرا ايضا

 : 

مـقــالات | أنيس النظار وسؤال الحكم الأدبي والحكم القضائي - بقلم : معاذ صمري

     لم يكن الأمر مستغربا ولا مستهجنا حينما صنف ابن سلام الجمحي الشاعرين عمرو ابن كلثوم والحارث بن حلزة اليشكري في الطبقة السادسة في مؤلفه طبقات فحول الشعراء، فمكانة ابن سلام الملقاة لنا ضمن دروس النقد جعلتنا نسلم بأن ما أتى به الجمحي إنما أتى به عن رواية ودراية عظيمتين للشعر العربي القديم، مكنتا في الأخير ابن سلام من إصدار حكمه على صاحبي مطولتين من السبع المعلقات، وبالرغم مما قيل حول هذا الحكم وغيره فيظل ابن سلام رائد كتب الطبقات في مدونة الأدب العربي...ولكن الأمر أشد سفاهة وجرأة ونذالة!!! حينما صنف المنيري أدباء مدينة تارودانت في أنيس النظار إلى طبقات ثلاث رفع فيها من رفع وحط فيها من قدر من حط، ولنا أن نسأل بعد إدعاء أحد المصنفين في الطبقة الثالثة، السعيد الخيز، رفع دعوى قضائية بتهمة القذف والسب والشتم،  ما مدى مصداقية أحكام الأنيس أدبيا وأخلاقيا؟ وما الزاد الذي اتكأ عليه المنيري في إصدار أحكامه الأدبية؟ وهذا ما دعانا إلى قراءة ثانية لا لشعرنا القديم ولكن لأنيس نظارنا الحديث.
     ينطلق المنيري من حيث انتهى أصحاب النظرة الكلاسية في الأدب ويحاول في صفحات يسيرة أن يمزج ما بين اتجاهين في التأليف ، اتجاه الترجمة أو السير الغيرية واتجاه المفاضلة ممهدا لذلك بمقدمة يسرد فيها دواعي تأليفه والسياق التاريخي للمؤلف ومعيار حكمه على نصوص المترجم لهم والتي أجملها في معيارين: صدق العبارة، وتلاحم أجزاء القصيدة، مشيرا بذلك إلى التزام الأدب أي صدق العبارة وبلاغة ومتانة النص أي تلاحم أجزاء القصيدة، ثم بعد ذلك يحاول بوتقة كتاب ونصوصهم ضمن طبقات ثلاث، الطبقة الأولى جعلها طبقة الرواد، وقد بالغ في مدح أصحابها باعتبارهم شيوخا في الطريقة الأدبية يحتذي بهم الآخرون، لكن الملاحظ أن أغلب هؤلاء هم أساتذة المنيري في المعهد وهم أصدقاؤه في الدرس وهم معارفه ممن لاقاهم برودانة أو سمع بهم، ولذلك فليس من المستغرب أن يعدد أفضالهم عليه وذكرياته، ومن هنا تأتي بعض لذة النص وصدقه وليس لنا أن نتدخل ولا أن نعيب على الكاتب نهجه ما دام يسرد ذكرياته الحسنة وأفعال الكتاب المستحسنة ولا يعزوهما إلى الأدب وإنما إلى سلوك الشخص وهذا ليس نهجه مع الطبقة الأولى وإنما مع باقي الطبقات كي يرتفع اللبس وتحصل المنفعة فنجده يقول في شكيب أريج: القاص: " عرفناه في رودانة بعد رجوعنا من تنغير...فشملنا ظرفه وسددنا لنقد النصوص طرفه" ص 97 الطبقة الثانية ويقول في السعيد الخيز: الروائي المغربي: " وهو إلى ذلك صاحب مشاريع في الأدب جلية، وأفضال على الأدباء علية" ص115 الطبقة الثالثة، أما غير ذلك من الصفات المعيبة والسب والشتم فالتراجم خالية من أي عبارة قد توحي أو تفصح عن سلوك قبيح في شخصية المترجم لهم، وعلى النقيض فنرى المنيري يهاجم دعاة الحداثة كما سماهم، وينعت أدبهم بعبارات قاسية: " أدبه منه الصحيح والمريض" ص121 " كلاما ساقط الفصول" ص99   " شعر طليق بلا وزن ولا قافية ولا روابط كافية" ص123 كما قال عن صاحب دعوى مقاضاته:"أدبه من الزوائل"  " تعاطى للنقد بالانتماء فما درى أنه ذو دوحات أفياء" ص 115 ولا يتمادى المنيري في هجومه ضد المحدثين ودعاة الحداثة فنجده قد استحسن تجربة الوتيتي وجعلها في الطبقة الأولى وانطلاقا من  الذي أورده لهذا الشاعر الحداثي فنرى أنه أنصف الحداثة لأن نص : " أموت كما أريد" شاهد بسمات الحداثة في أبهى تجلياتها من العنوان حتى آخر المقطع الذي  يقول فيه الشاعر : "خرجت من خيمة الأنبياء إلى مصير معلقة خطوطه إلى إشعار آخر" ص79...ولعل هذا النهج هو ما سار عليه المنيري في كتابه، فالناظر لنصوص مستقيمة في شكلها عميقة في محتواها كقصيدة كاترين والشاعر الخشن ومقالة دراما الحياة وقصة أيام القصب ومقارنتها بنصوص مختلة في بنائها ولغتها كأنت لست كالرجال وعبور يلمح ما مدى مصداقية طرح الكاتب رغم تحفظنا من اختيارات الكاتب وإنتاجات الكتاب الأخرى التي قد يغيبها الكاتب لخدمة طروحاته...وهذا ما يدعونا إلى بذل مجهود أكبر لتحديد القيمة المعرفية للكتاب وليس مآخذ أخلاقية للمحاكمة أمام القضاء، فلا شك أن صاحب الدعوى سيكون جائرا مضيعا لوقته لانتفاء ادعاءاته والمدعو لها سيكون ملبيا مضيعا لوقته والكتاب سينتعش ويسمو وقد يناله نصيب من الخلود الأدبي بسبب هذه الدعوى.
أما عن السؤال الثاني والذي طرحناه في المقدمة، فنرى المنيري يستقي زاده النقدي من  مشارب عدة بأسلوب شديد الاختصار، فنراه يوظف مصطلحات من الحقل الديني... وأخرى من الواقع المعيش...، وأخرى من التصوف...، ومن حقل الأدب... وهذا ما أغنى الكتاب إلا أنه كان الأجدر بالكاتب أن يتعرض للكتاب ويصنفهم وفق حقل نقدي واحد واضح المنهج والسبل لتسهيل عملية نقد النقد على الدارسين لمؤلفه.
      وأخيرا وبعد نظرتنا الموجزة لهذا الكتاب الذي دعانا لقراءته السجال الأدبي المثار حوله فإننا نؤكد أن الطروحات المقدمة من الكاتب يجب أن تواجه بالدرس والتحليل لمؤلفه وليس بمحاكمة قضائية لأن انتفاء شرط القذف والشتم والاستناد إلى أحكام ذاتية أو موضوعية للنصوص ستجعل من المحاكمة دليل رقابة على الإبداع في زمن الحريات ودليل تسلق للمدعي ودليل فجاءة للمدعي عليه. 

كتابة تعليق

ضع تعليقك هنا

Previous Post Next Post